( لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي )

=وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ

من دفع مالا او اهدي هدية لمسئول اوحاكم او من هو قائم باعمال الحكومة ليقضي له مصلحة بظلم لإبطال حق أو إحقاق باطل ؛ او ان يهضم ويستولي حق غيره بالرشوة فهو ملعون وكذلك من اخذ هذا المال ومن كان الوسيط والساعي بينهما ؛ لإنهم ارتكبوا كبيرة واثما كبيرا وقاموا بفعل ما يفسد الارض ويغمط الحق ويطمس سوءة الجرائم ويحسن صورة القبائح ؛ ويقلب الحقائق والوقائع ويعطي الحق لمن لا يستحق وطلي الظلم بصبغة العدل وستر عيوب الغني وانكار ونهب حق الفقير والضعيف ؛ ونصرة الغش والزيف والظلم والخيانة والخدعة وتلميع صورة المجرم بالبراءة والنزاهة ؛ وتربع مكانة المثقف المتعلم الي جاهل الذي لا يملك مثقال ذرة من علم فتجده يحمل شهادات عالية وامتيازية مزيفة ؛ وتوسيد الأمر إلى غير أهله واضاعة الحقوق والكفاءة بين الناس  وترقية المناصب والوظائف الي من لا يستحق وزرع اليأس والاحباط في قلوب المثقفين وذوي الخبرة العالية ؛ وحكم الكاذب الخائن المتكبر علي الصادق الامين المتواضع فالرشوة تقلب الموازين وترفع الفاسق الفاجر وتضع التقي الصالح ؛ وتأمن حياة المذنب الذي ارتكب بشتي انواع المخالفات وتخوف وتهدد البرئء الذي يحفظ كرامته ؛ فهي تحلل الحرام وتحرم الحلال وهذا مما نعيش به في واقعنا الحاضر المؤلم ؛ ولعن رسول الله من اتي بهذه الافاعيل المحرمة (لعن رسول الله الراشي والمرتشي والرائش) (سمّاعون للكذب أكّالون للسحت)

عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به)

وتلبيس الرشوة بثوب الهدية او الصدقة والمكرمة فهي تعتبر تحريف دين الله واحتيال عقول الناس فإنّ كثيرا من التجار واصحاب المحلات يلجأون إلى الطّرق الملتوية المحفوفة بالهدايا؛ ليصلوا إلى بغيتهم عند المسئولين والحكام بهدف التّوصل ليسهلوا لهم حاجاتهم وما يعيق تجارتهم ؛ فيأتون من قبل اهليهم فيأخذون الهدايا لهم وإلى اقرب الناس اليهم ونساءهم وبناتهم فكل حاكم او مسئول اخذ مالا باستغلال منصبه فهو مال حرام وسحت ورشوة ؛ ولإن كل مال يأخذ من الرعية غير راتبه فهوضرب من ضروب أكل أموال الناس بالباطل ؛ فلا يحق للمسئول ان يمد يده بمال الحكومة بأي وجه استلمها فعليه ان يرد الي خزانة الدولة فهي مال الامة وليس ماله ؛ فكل هدية واوسمة يتلقي بها الحاكم من حكام العالم باسم الحكومة فهي مال الحكومة لإنه اكتسبها بمنصب الحكومة فلو جلس في بيته هل يهدونه بالهدايا والاوسمة ؛ومن المخجل والخزي والعار ان حكامنا اليوم يعلقون ويزينون صدورهم بهذه الاوسمة فخرا واعتزازا ويتبخترون بلا ضمير بين الناس ودون حياء ؛ 

(قال صلى الله عليه وسلم لرجل كان عاملا على الزكاة وقد أهديت له هدية – فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر أيهدى له)

(فلما جاء سليمان قال آتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون)

لما بعث رسول الله صلي الله عليه وسلم ابن رواحه إلى خيبر فيخرص بينه وبين يهود فجمعوا حليا من نسائهم فقالوا – خذ هذا لك وخفف عنا وتجاوز في القسم 

فقال ابن رواحة – يا معشر يهود والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلى وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم واما ما عرضتم من الرشوة فانها سحت فانا لا نأكلها

فقالوا له اليهود – بهذا قامت السماوات والأرض

الرشوة ترفع من لا يستحق الرفعة وتضع بالظلم من رفعه الله وتوظف الجاهل الساقط الفاشل الذي لا خبرة له ولا في حوزته ثقافة تؤهله الي ادارة امر الرعية ولا يتقن العمل فتراه يحمل شهادة عريضة مزورة اخذها من غير جهد ولا تعب ؛ فيبذل اموالا ليتولي مكانة مرموقة في ادارة الدوائر الحكومية والمؤسسات الحساسة وكل الموظفين الذين هم اعلي مستواه يجرون وراءه بالسمع والطاعة ؛ وصاحب الحق والخبرة والعلم والكفاءة تتردد آثار خطاه في ابواب المكاتب فلا يقدر احد حق قدره بل يكون عباً وعالة في المجتمع فيقضي عمره في ذلة وفقر لانه لا يجد مالا يحتمي به ؛ فعندما يصبح المال معيار القيمة لكرامة الانسان بصرف النظر من اين اكتسب فهذا يؤدي الي اهتزاز القيم وغروب شمس الثوابت والخلق وزعزعة الثقة بين الناس ؛ فعندئذ تهون النفس الكريمة النزيهة وتعتلي النفوس الدنيئة الخسيسة الي منبر لا تستحق فالغالب دائما من دفع الكثير ؛ فكم من مثقف دفنوا ثقافته تحت الارض وكم من عالم يرتزق بعمل لا تليق كرامته وكم من وجيه صار خادما لسفيه وكم من حكيم رزقه الله الحكمة فيطيع اوامراهبل معتوه لانهم لا يجدون ما يلقمون في افواه المرتشين ؛ بل إن خطورة الرشوة وفسادها وتداعياتها تتجاوزعن هذا بكثير فهي تشيع وتنشر صور الفساد الأخلاقي وتدمر الضمير والمروءة والعفة ؛ فكم من امرأة اغروها بالمال وعاهدوها بان يرفعوا اسمها وتشتهر بين النساء ؛ وان ترتقي الي منصب ما كانت تحلم عمرها وطلبوا منها إقامة علاقة محرمة مقابل قضاء مصالحها أو تحقيق مطالبها؛ فلما شبعوا منها رموها في المزابل وافسدوا بيتها وفرقوا بينها وبين زوجها وتعيش الان في فضيحة وندامة ويأس تقلب كفيها حسرة وتأسفا لعن الله الراشي ؛ وكم من رجل طحنه الفقر اغروه برنين الدراهم والدنانير وبريقهما ولما طاش عقله وفقد ضميره وتخبط وعيه وغاب ايمانه اشترطوا له بان يقتل فلانا فقتل فيختبيء الان في وحشة وظلمة الكهوف تاركا اولاده خوفا من القضاء والانتقام؛ فكم من طالبة كانت مجتهدة شاطرة في تعليمها فاقسمت بالله ان لا تتزوج الا بعد ان تكمل دراستها الي درجة الدكتوراه ؛ فلما بلغت مبتغاها واخذت الشهادة التي سهرت من اجلها فاخذت تبحث عملا مرموقا يناسبها ومنصبا راقيا كي تستمتع ثمرة شهادتها ؛ فوجدت كل الابواب مؤصدة علي وجهها الا بابا واحدا ان تضع عرضها في طبق من ذهب وتقدم هدية للمدراء ففعلت واستسلمت فصارت سجينة في احضان المدراء ففقدت امل الزواج ؛ فكم من شيخ تعلم كتاب الله وسنة رسوله وتفوق وصار نابغا فقيها في تعلم شرائع الدين ؛ فاصبح صوته مدويا في المنابر يجلجل الظلم وينطق علي الحق وينصر المظلومين ولا يخاف لومة لائم ؛ فلما اشتهر ولمع نجمه وبلغ صوته في كل حدب وصوب استدعته الملوك والامراء في قصورهم فاغمسوه في خزائن الذهب والفضة ؛ واسقوه رحيق الاموال فلما ارتوي اختمر ايمانه فصار عدوا لله ورسوله اصبح لسانه يقبح بما كان يمدح بالامس ويحرم بما كان يحلل ؛ وانكر مما كان يفتي من قبل ويحرض طاعة الامراء وان كانوا فجارا فساقا باع دينه بدنيا غيره خسرالدنيا والآخرة لعن الله الراشي والمرتشي؛ فكم من شاب بريء لفقت له جريمة مدبرة مزورة فلما اراد ان يبدي براءته واتي بالادلة والبراهين انه بريء البسوه بجريمة اخري اشد خطورة من الاولي ؛ فلما حاصرته امواج شهادة الزور من كل جهة فلم يجد مخرجا واحاطت به تهم الهلاك طلبوا منه حفنة من المال ليخلص نفسه ؛ فاعتذر انه لا يملك هذا المبلغ حكموه بالظلم ورموه بالسجن فأخذ يصرخ وراء القضبان والله اني بريء فلا حياة لمن تنادي ؛ فقضي معظم حياته في السجن مظلوما منكوبا حزينا فخرج من السجن وهو كهلا وهنت عظامه فلا يعرف من اين يبدأ في حياته ؛

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)

(قال رسول الله صلي الله عليه وسلم – إنما هلك الذين من قبلكم لأنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها)

Leave a comment