حقيقة الحرية ومفهومها الاسلامي

يولد الانسان حراً طليقاً من عبودية العباد ولكنه لا يتحرر من عبودية المعبود وأعطي الله كل عبد إرادة ومشيئة واختياراً فهو ليس مجبوراً ولا مكرهاً في افعاله واقواله ولكنه لا يتصرف كما يشاء قوانين الله فوق حريته ؛ ولا يشعر قلب العبد لذة الحرية ولا يتمتع بطعم ثمارها الحلو إلا لما يكون عبداً عبيداً لخالقه فلو كان العبد مكرهاً مجبراً لا خيار ولا حرية ؛ فإنّله  الله لا يؤاخذه على أفعاله واقواله ولكن هذه الحرية محددة بحدود الذي حدده الله فاِن  فالحرية في الإسلام مقيدة بقيود الاهية ولا يجوز للعبد التعدي عنها ؛ فإذا كانت الحرية تتخبط بلا قانون ولا حدود ولا تفرق بين الحلال والحرام ما كانت عبودية الله لها معنى فتقييد الحرية هي التي تبين بين المعصية والطاعة لله فلا بد للعبد ان يمتثل بما امره الله ونهاه عنه ؛ فالحرية المطلقة لا يمتلكها الا الله فهو الذي لا يسأل عما يفعل ويفعل ما يشاء ولا معقب لإمره ولا غالب لإمره ولا يحاسبه احد؛ فالعبد ليس هو الذي يختار الحرية علي هواه انما ينقاد بما حدده الله من الحرية فلا حرية في مخالفة امر والاستباحة بالمحرمات ؛ فليس هناك حريات متنوعة حرية يختارها العبد في منظوره كما يشاء وحرية يأمرنا الله ويقيدها فهذا خطأ فالحرية هي امر من اوامر الله هو الذي يأمر وهو الذي ينهي ؛ وتلك الحرية لصالح العباد ولم يخلق الله عباده هملاً بلا رقابة وتركهم يفعلون ما يشاءون ويتخذون قرار شئونهم كما يريدون انما حدد لهم حريتهم وكيف يعيشون ؛ فلا لإحد يحق له ان يتعالى عن شرع الله وقيوده فيرى أنّ القرار والاختيار بيده فيما يتعلق بأمر دينه فاذا اراد ان ينحرف عن دينه انحرف متي اراد ؛ او اراد ان يستحل حراماً بمحض ارادته استحلها حسب قراره ورغبته فالعبد ملزم ان يمتثل تحت لواء الدين ؛ ويعمل بما تمليه عليه إرادة الله وقوانينه طوعاً واستسلاما فلا يجد فيها حرجا ولا ضيقا فهو يدور في فلك شرع الله فلا يخرج من هذه الدائرة اطلاقاً ؛ وليس له الحق ان يتصرف بإرادته الشخصيّة ورغباته وميوله واوامر شهوته ونداءات هواه وقناعاته الخاصة ولا يستنجد بالقوانين البشرية ؛ فمن اعتقد ان الحرية كالهواء الطلق لا يحجزها حاجز من غير ضوابط ولا قيود من الله فقد اساء معني الحرية ؛ فان الامر والحكم بيد الله فلا بد لكل عبد ان يخضع بقدر الحرية التي وهبه الله له فلا يتجاوز بحده فيلتزم بتطبيق ما أمره الله به فلا يخالف امر الله ؛ فهذه هي الحرية الصحيحية التي تحافظ علي نفسه وماله وعرضه وكرامته والاحتكاك مع الآخرين وتصلح له دينه ودنياه وآخرته ؛  ومن المؤسف والغريب ان بعض الناس يتحرر من عبودية المعبود كما هو في ظنه واعتقاده ويعصي ربه ويكون عبداً ذليلاً لمخلوقات الخالق ؛ فيدعي انه يعيش في حرية وسعادة ولكنه في الحقيقة انه يعيش في عبودية اكثر مذلة بعبودية خالقه وحرية اقل بكثير من الحرية التي اعطاه الله ؛ فمنهم من يعبد مخلوقاً ضعيفاً من امثاله من الجن والانس والحجر والشمس والقمر والنجوم والشجر وبعض الحيوانات والكواكب؛ فيكون لهم عبداً مملوكاً مهيناً واذا حاورت معه يفتخر بأنه يتمتع بحرية واسعة لا حد لها ولا قيد لأن هؤلاء الآلهة لا يحرمون عنه حراماً فيفعل ما يشاء فهو حر قدر عقله وعقيدته ؛ فيشعر ان الحرية التي اعطاه خالقه انها ضيقة ومحدودة ومقيدة بقيود فيريد ان يتحرر منها فيبحث حرية بلا قيود فيعبد هواه وماتأمرنفسه الامارة بالسوء؛

فعندما يكون الإنسان موزعاً على آلهةً متعددة وتتجاذبه افكاراً عقدية متنوعة وتأتيه اوامر ونواهي من قبل سلطات وحكام مختلفة فإنه لا يكون حراً بل انه يعيش في حالة اضطراب وتردد وعدم استقرار ويفقد الاختيار والعزم ولا يقدر الجزم بامره ؛

ضرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا ۖ هَلْ يَسْتَوُونَ ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ۖ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ۙ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِي

واتباع الشهوات واستجابة هوي النفس وترك أوامر االله ورسوله وان يذوق الانسان طعم كل رذيلة ؛ في الظاهر انه  يشعر ارتياح مؤقت وشبح الحرية تتحرك امامه وريحها تحوم حول ارنبة انفه ؛ ويحس ذوق طعم الحرية من طرف لسانه ولكن في الحقيقة كلها خيال واوهام واسراب كاذب لإنها حرية مبنية علي معصية الله ؛ ومن المؤكد التي لا غبار فيها ولا شك ان الذي لا يسلم زمام نفسه لخالقه الذي خلقه فلا بد ان يسلمها لمخلوق مثله او اقل منه درجة ؛ ولكن من ذاق طعم عبودية الله يشعر بحرية اكثر استمتاعا من حرية الشهوة والهوي وتعلقت روحه بحياة الملأ الأعلي ؛ ويتعفف ويستعلي كل ماهو دون ذلك لإن الله خلقنا لعبادته ولم يخلقنا لتشبع النفس بالشهوات؛ وكمال الحرية بالشهوات هذا في الجنة وليست في الدنيا لإن الدنيا دار الابتلاء والتمحيص واخسر الناس من ظن ان الحرية موجودة في معصية الله ؛ واتباع الشهوات واستجابة اوامر النفس والشيطان فحرية الدنيا محدودة ومقيدة بشروط الامر والنهي اما حرية الجنة فهي مطلقة وبلا قيد فهل يستويان مثلاً بينهما ؛

 (فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين)

ومن الناس من يعيش في تقلب مستمر دون توقف وازدواجية بين شرع الله وبين ما تهوي نفسه وهواه ؛ فاِن وجد في حكم الله ما يرتاح به ضميره وتحب نفسه ووجد فيه سعة ورحمة وحرية استقر ؛ واتبع امر الله بغير اِيمان ولا رضا ولكنه لو شعر ضيق في الحرية وضغط في حكم الله حسب رؤيته القصيرة وقلة عقله وضعف اِيمانه ؛ انقلب واتبع هواه فتجده دائما يتحول من حالة الي اخري يتنقل ولا يستقر ولا يرتاح دائما في حيرة وذبذبة واضطراب وتردد بحثا عن حرية تتلذذ بها نفسه ؛ همه دائما في الحالة التي يجد فيها الحرية التي تعجبه نفسه وهواه وان كانت مخالفا شرع الله فهو عبد لهواه يرضي هواه ولا يرضي ربه ؛ ينفق ماله وطاقته ووقته في سبيل الوصول الي حرية موهومة لا يهمه الثمن ولا صلاح دينه ولا آخرته ؛ يمسي كافراً ويصبح مؤمناً ويمسي مؤمنا ويصبح كافراً يجري وراء شبح حرية موهومة ولو تخرجه عن الدين ؛ فيعذب نفسه ما يتكسب منها الا ذلاً وخسارةً وشراً فيبحث الحرية من ذل العبودية لغير الله فتراه عبداً مملوكا للشهوات البهيمية الحرة ؛ وتحت وطأة سلطة الملذات الماجنة فتصيب نفسه الانْفِلات من كلِّ القيود الربانية وعبودية خالقه ؛ ويتحَرر من قيود الانسانية واوامرالله ونواهيه  والضَّوابط والقيم والأخلاق والفضيلة وعزة النفس والتَّقاليدِ والأعراف ؛ وانزلق في اعماق مهاوي الفتن وحضيض المنكرات وقعورالفساد واَدرَاك الفجور والانحراف ؛ ومن شدة غياب عقله وسفالته وغباوته وفقره علي الثقافة الاسلامية يطير فرحا ومرحا ويفتخر بما هو فيه من المنكرات ومع الاسف يشعر بالراحة والاستقرار والحرية ؛ فأي حرية هذه هذا مما يدل علي قلة ايمانه وسفاهة عقله ودناءته وطموس بصيرته وذهاب حياءه وخلقه وعفته ؛ لإن القلب السليم اذا توجه الي الله لا يلتفت غير الله فالقلب اذا تحرر من عبودية غير الله لا يجد الحرية الافي عبودية خالقه ولايرتاح الا التذلل بين يدي الله ؛

ان حقيقة الحرية التي يستمتع بها المسلم هي ليست الحرية التي تأمرنا المبالغة للشهواتِ المسعورة التي تتجول بلا قيود ولا ردع ولا حدود ؛ انما حقيقة الحرية الصحيحة هي الانعتاق والنجاة من قيود الرذائل والفجور وبراثن الفواحش ومن قيودِ الخلاعة والانحلال ؛ وان يتحرر الانسان من ذل عبودية العباد والاهواء والشياطين حتي يشعر ذوق حرية عبودية رب العباد والانقياد بامره ؛ ومهما بحث الانسان الحرية فيما يغضب الله فلا يجني منها الا ذلة وقهر النفس وتعذيب الضمير والانحطاط في اعين الناس وهبوط الاخلاق ؛ واللهث وراء اوامر النفس الامارة بالسوء والشهوة النهمة التي لا تشبع وارضاء الهوي واستجابة دعوة النزوات المنحرفة ؛ وتنكيس وتطميس فطرة الله التي فطر الناس عليها والخروج عن الحدود الانسانية وعرف البشرية ؛ ان البشرية في عصرنا الحاضر المتحضر انغمست في اللهو والخنا والملاهي والفجور وانغرقوا في جميع انواع الشهوات؛ وتمرغوا في حرية الغرب الشيطانية اللااخلاقية وتحلوا وتزينوا بطبائعهم حين من الدهروزحفوا وراء نساءهم الخبيثات العاهرات وتسابقوا الاقتداء بهن حتي لعبن عقولهم وكرامتهم ؛ وظهر الفساد في البر والبحر وأنتشرت الرذيلة في اهل الحاضرة والبادية وانجرفوا خلف فجار وفساق واوغاد وارذال الغرب ؛ وانحدروا الي قاع الفساد والرذائل وانسلخوا عن دينهم بحثا عن الحرية والسعادة فهل بلغوا الي الثمرات المرجوة من هذه الحرية وهل وجدوا ضالتهم المفقودة ؛ لم يجنوا من هذه الحرية الا الهرج والمرج والضيق والضنك والضلال والجرائم والضياع والفساد والذلة والعار والامراض الفتاكة المستعصية والتشبه بالبهاءم ؛ والتدهور الاخلاقي وفقدان الامن ونزع لباس الاسلام والالحاد وزوال الحشمة والغيرة والعهر والشذوذ والجهل وتغيير خلق الله والانبطاح بالحداثة ؛ وزنا المحارم والاغتصاب بلا خوف ولا حياء ولا خجل وهم في هذه الحالة المخزية المهينة يظنون انهم في ارقي درجات الحرية والسعادة ؛ وآأسفاه وهل اصبح الضلال والضياع ومخالفة شرع الله واعوجاج الفطرة والبصيرة حرية ؛ ويا حسرتاه هل التمرغ في وحل الانحراف واغتيال الضمير البريء الطاهر وقتل المودة والمروءة صارت قمة السعادة؛ وهل نبذ الدين وراء الظهور هي الحضارة الذي كنا نأمل والتقدم والعزة والرفعة الذي كنا ننتظر اصبحنا اجسام بلا عقول صرنا نجري وراء حرية دنيئة خسيسة ولو دخلت جحر ضب لدخلنا معها ؛ وهكذا حينما يموت الضمير تموت معهُ عزة الفضيلة والعفة التي تطهر كرامة الانسان والخلق التي تنزه شرف المرء ويصبح الإنسان مجرد هيكل جامد فارغ اجوف ؛ يلاحق الشهوات اينما وجدها عكف في احضانها ويقضي جل اوقاته بالغو واللهو والرفث ويسجد لاهواءه وتلك هي حريته ؛ لا يحمل في جوفه مثقال ذرة من قيم الحياة والأخلاق والحياء والإنسانية والرحمة والمروءة همه اشباع بطنه وفرجه يشد الرحال الي كل فج عميق ليسكت صرخة شهوته المسعورة ؛ فيصبح الإنسان حينئذ غيرمفهوم بما يريد وبما ينوي والي اين يسير مبهم التصرف مزدوج الميول غير آبه ما يقول وما يفعل لا فرق بينه وبين البهيمة ؛ بحيث يصبح همهُ الوحيد والأكبر حرية بلا قيود وشهوة بلا رادع وسعادة بلا حدود يريد ان يتصرف كما يشاء يشبع هوي نفسه بأي ثمن ؛ وتتضايق نفسه بقيود شرع الله يريد ان يلهو ويمرح ويسرح بلا قيد ولا زجر كأنه خلقه الله بالمتعة والشهوة وعبادة الغواني الفاجرات ؛ يصير مجرد خادم لرغباتهِ ونزواته ومصالحه الذاتية فهذه هي غايته فصارت شعار الحرية بالنسبة له الوصول إلى مآربه الشخصية مهما كان الثمن ولو علي حساب غيره ؛ فتلك حرية عمياء فاقد الاحساس تنزلق وتسقط في كل مستنقع آسن نتن وفي اودية الغي والانحراف وتركع لكل شهوة مهما كانت قذارتها وفشاحتها وقباحتها ؛ وتقتحم الحواجز والحصون المنيعة التي منع الله ان يتعدي بها الانسان وتقذر وتنجس نقاء الفطرة السليمة وتكدر صفاءها ؛ وتشوش صورتها وتخرجها عن مسارها الصحيح وصوابها المعتدل ؛ وتتجرد لباس الدين والاخلاق والحياء والعفة وتنحدر في آبار الضلال والظلام والهلاك سعيا خلف سعادة موهومة تدنس كرامة الانسان وعزته ورقيه ؛ ويصبح الانسان في هذه الحالة جثة هامدة تنخر في جوفه جراثيم الفساد الفتاكة لأنه فقد المناعة الالاهية ؛ التي تحيي النفوس الميتة وتشفي الضمائر السقيمة التائهة وتنير القلوب المظلمة وتؤدب الاخلاق المنحرفة وتؤنب المروءة الهائمة السائمة الضائعة التي لا تعرف الي اين تتجه ؛ وتزجر النفوس الضالة الآمرة بالسوء وتداوي الفطرة العليلة التي خرجت عن مسارها الصحيح وتعيد روح الايمان الي هذا الانسان التائه ؛ تسقيه كأس التوبة والانابة الي الله وتشحن في جوفه نورالايمان الذي لم يذقها فترة الضياع والغفلة ؛ وتغذيه غذاء الروح ومتي ذاق طعمها وتلذذ حلاوتها ندم علي ماضيه التي قضاها بالتفريط والتقصير والاسراف والعصيان ؛ وتوقد له سراج ماهية حقيقة الحرية وضوابطها وتفتح له صفحة بيضاء جديدة وتقول له ؛ ان الحرية هي التزام بشرع الله وليست انفلاتًا وفوضى واتباع الهوي وان يميز الانسان بين الحرية والانغماس بالحرام واستجابة اوامر النفس ورغباتها فمفهوم الحرية هي ان يطيع الانسان باوامر الله ونواهيه ؛ وان لا يخرج العبد في حدود ودائرة قيود شرع الله فاِنَ الله قد رفع عن الإنسان الأغلال والاستبداد والتكاليف الشاقة والقيود التي تفرضها الكهنة والكفرة والحكام الظلمة علي عباد الله ؛ فالله ارفأ وارحم منهم ولكن بعض العباد السفلة المنحرفين عن الحق يرون ان حرية الكفرة ارحم من حرية ربهم ؛ فيخضعون للكفرة والظلمة لإنهم يبيحون لهم ما تهوي انفسهم ويجيزون لهم الشهوة المطلقة وما تحب غراءزهم ونزواتهم وان يتمتعوا كيفما يشاءون فيكونون عبيداً للعبيد ؛ وكذلك يصيرالانسان اسيراً للشهوة هي التي تحكمه وتأمره وتنهاه وتفرحه وهي التي تسكن باله وتريحه وهي التي تخفف عنه المه وتذهب عنه الوجع والخوف ؛ فتجد من يعبد النساء ومنهم يعبد المسكرات ومنهم من يعبد الدنيا وزخارفها ومنهم من يعبد المال فينزعون عنه الحرية ويسلبون عنه الارادة والاختيار؛ ليته كان يشعر هذا فانه يدعي انه حراً طليقاً ولكن مع الاسف انه عبداً لشهوته عبداً لرغباته عبداً لاطماعه وجشعه ؛ فهذه هي حرية الحضارة الحديثة في زمننا حرية الفساد حرية التباهي بالانحراف والانزلاق في مهاوي الفواحش ؛ حرية التلطخ بكل اوساخ ونجاسات الرذيلة حرية الافتخار بالدعارة واللواط والشواذ والعهر حرية الاصطباغ بشتي الوان الانحلال والخلاعة والتشبه بطبائع الكفار وعاداتهم وتقاليدهم واتباع ملتهم؛ فما احوج الناس في عصرنا ان يفهموا حقيقة الحرية لإنهم بحثوها من كهوف الشياطين واحضان الشهوات وحقول الرذائل وملاهي الكفار ونوادي الشواذ واوطان الملاحدة ؛ حتي سقطوا في فخاخ ابليس فاوردهم في اودية المهالك فصاروا فريسة لكل رذيلة والشهوات المستعصية فاصبحوا اساري في سجون مردة الشياطين ؛

ومن الناس من يتهكم ويسخر بالحرية التي وهبه الله له كأنها لا تناسبه وتسجنه وتخنقه ولا تستجيب له رغباته وميولاته ونزواته ولا تلبي فطرته المنحرفة ؛ ويلتجيء الي حرية الغرب العبثية المنحطة التي يجد فيها كل الوان الشهوات والملذات التي يعشق بها ؛ فينصهر مع هذه الحرية واهلها التي تحرره من قيود وضوابط قوانين شرع الله فيغرق في محيط لا يجيد السباحة في اعماقه ؛ فتتشوه صورته وخلقه وتقاليده وتتمزق جذور اصله وهويته وتهتك عرضه وكرامته وتنهدم كيانه واصالته ونسبه وعزته ؛ وتتغير ثقافته وسلوكه وقيمه وثوابته ومعتقداته ويتبرأ من حضارته وموروثاته وتاريخه وينسجم مع قوم لعنهم الله في الدنيا والآخرة ؛ فأين الحرية التي يدعي ويفتخر بها فانه يعيش في رق وعبودية من هو دونه وسلم زمام نفسه لهم وحرموا له الاختيار ؛ ويقتدي بفواحشهم وانحرافاتهم ويقلد بكل حركاتهم وسكناتهم فهم الذين يقودونه حيثما وكيفما شاؤوا فاعلم انك حين تعتقد انك تحررت من عبودية الله فانك في ذل عبودية غير الله؛ الإنسان سيد ما خلقه الله واكرمه الله من جميع مخلوقاته فكيف يرضي ان يكون عبداً لغير خالقه فلا يجوز للإنسان أن يستعبده من هو دونه فالمخلوق مهما أوتي من الثقافة والفراسة والعلم والعقل لا يعلم ما يضره وما ينفعه ؛ فكيف يرسم لغيره ضوابط الحرية ومنهج الحياة ويلزمه بطريقة سلوكه وافكاره واعتقاده وهل هو الطف وارحم من خالقه؛

(قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا)

تقييد وتحديد شرع الله للحرية هي الحرية بذاتها فاذا ترك الله الانسان يعمل ويفعل ويأكل ويشرب ما يشاء وينكح لمن يشاء من النساء فما هوالفرق بينه وبين البهائم وكيف يتعايش مع الآخرين؛ فالحرية التي يحدد الله لعباده تحفظ النفس والعرض والامن والمال والعقل والنسب والنسل وتحارب الفواحش وتكبح جماح الشهوة المسعورة وتهذب الغريزة وتؤنب الضمير ؛ وتؤدب الاخلاق ولا ترضي عنك المشي بالكبر والمرح ورفع الصوت بلا حاجة وتستر العورة وتحدد الاسراف والتبذير فكلوا واشربوا ولا تسرفوا ؛ وتحصن الفرج وتحمي الضعيف وتزجر القوي وتحرم الغش وبخس اشياء الناس وتطفيف المكيال وتأمر الفضيلة وتمنع الظلم وتحرم الخبائث والمحرمات ؛ وتحفظ اموال اليتامي والسفهاء ولا ترضي اكل اموال الناس بالباطل وتعطي المرأة الضعيفة حقها ولا ترضي التعدي والتجاوز لحقوق الآخرين وتقيم الحد والقصاص لمن خالف امر الله ونهييه ؛ وتطهر اللسان من الغيبة والنميمة والشتم وافشاء السر وفحش القول والبصر من النظرة المحرمة والسمع من التجسس والتنصت والفرج الا يجامع الا ما حدده الله من النساء ؛

(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)

(وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ)

(وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ )      

ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ

علي المسلم ان يعظم شعائر الله ويجل كل ما يتعلق بطاعة الله وعبادته ولا ينتهك حرمات الله فإن تعظيمَها مِنْ تقوى القلوبِ ؛ ويقدس ويبجل كل ما يتصل بالدين من صلاة وطواف وصوم وحج والآذان والعمرة والاعتكاف والوقوف بعرفة وشعائر الله كثيرة فلا يملك المرء شيء في حياته أغلى من شعائردينه ومعتقداته؛ وتعظيم شعائر الله هي تعظيم أمرالله وامتثال ما نهي الله ومن يعظمُ حرمات الله يزداد ايمانه ولا ينتهك حدوده ولا يخالف ما امره الله فهذا خير له ؛ فمن عظم الله كان خيرا له في الدنيا والآخرة ويجازيه الله بهذا التعظيم فكلما تهيأ العبد أن يواقع شيئا من المحرمات مالا يحل تجاوزه منعه تقوي القلوب ؛  فقال له ايمانه هذا حرام فلا تنتهك ولا تقتحم حدود الله ولهذا وجب على المسلم أن يتقي الله ويعظم شعائر الله حتى يسير على الصراط المستقيم ؛ فكلما قوي إيمان العبد كلما كان اشد حرسا لحرمات الله وأشدَّ تعظيما لشعائر الله ؛ فلا ينبغي للمسلم ان يستهين او يقلل قدر حرمات الله وشعائره وان يشعر في نفسه ان الاستهزاء بشعائر الله جرما عظيما وكبيرة من الكبائر ؛ وان يجد في قلبه رهبة اذا تجاوز حدود شعائر الله او استهان حرمة من حرمات الله فذلك من الايمان فاذا رأي المسلم انه يستخف شعائر الله فهذا يدل علي ان قلبه لم يبقي شيئا من الايمان وكشف عورة قلبه ؛ ولا تتحقق عبودية العبد ولا يحقق المراد الذي خلقه الله من اجله إلا إذا عظم العبد شعائر الله ولا يزال المرء فيه خير كثير وقوة في دينه مادام يعظم شعائر الله ويتباهي بها فان ضيعها فاعلم ان ذلك هلاك في كرامته وشرفه وعزته ؛ فمن يخضع ويلتزم اوامر واملاءات عبدا كافراً اقل منه شأنا واحقر منه قدرا ومنزلة ليهين من اجله شعائر دينه وعزة هويته ؛ لا يتكسب من هذا الا ذلا واهانة فيصبح عبدا حقيراً لهذا العبد الذليل الكافر الذي لا يملك له ضراً ولا نفعاً ؛ واشد من هذا خسارة واهانة وذلا انه استبدل عبودية ربه الي عبودية عبداً من عباد الله ؛ فرفض ان يخضع لله وشعائر دينه فصار يخضع لمخلوق كافر ملحد احقر من الكلب بل الكلب افضل منه ؛ اذا استعظم المسلم شعائر دينه وهيمنت عقيدته وايمانه في احشاءه وترسخت جذورها في قلبه ويحترم حرمات الله بكل تقدير وتبجيل ؛ تضاءلت وتصاغرت امامه كل من يدين غير دينه الحق واضمحلت مهابتهم في قلبه واستخف عظمتهم وسلطتهم وكبرياءهم واستحضرت هيبة الله في ذكره ؛ وتتبخر امام عيونه ابهة الغرب كأنها سراب خداع كاذب صار يتباهي ويتفاخر بشعائر دينه بشموخ وعزة ورفعة ؛ فالشعائر هي أعلام الدين الظاهرة التي يشاهدها غير المسلم مثل الآذان واداء الصلوات الخمسة بالجماعة في المساجد ؛ وخروج النساء والاطفال والرجال بأداء صلاة العيدين والتراويح الي المصلي فالواجب علي المسلم ان يفتخر بها وان يؤديها من باب تعظيم شعائر الله فتعظيم شعائر الله  هي عنوان عبودية العبد لربه ؛

(ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)

ومن يعظِّم الله ويجله اجلال عظيما ويرفع شعائر الله يعظمه الله بين الناس ويرفع شأنه وقدره في قلوب الناس ويعلو اسمه وتتحسن سمعته وشهرته ويرفع الله رايته ويبقي ملكه ويحبون رعيته ؛ ومن يحتقر ويستهين شعائر الله يحقره الله ويخذله ويخزيه ويذله الله امام الناس ؛ فصار حقيرا مهينا سيء السمعة ويشتت قوته ويمزق ملكه ويذهب الله جاهه وسلطته واخذه الله اخذ عزيز مقتدر ويجعله آية لمن بعده ؛ ومن ساوي بين شعائرالاسلام وشعائرالكفار ورفَع قدر شعائر الكفار حتي جعلهما متماثلين متساويين في العظمة والدرجة والتقدير فقد كفر بشعائر الله واخرج ربقة الاسلام من عنقه ؛ فكم من الناس حين يتعامل مع الخلق يعاملهم بأفضل ما عنده من الاحترام والتقدير والتعظيم والسمع والطاعة باوامرهم ويتنازل بشرائع دينه من اجلهم ؛ ولكن لما اراد ان يعامل مع الله عامله باقل درجة من خلقه وبأهون ما عنده من التقدير والتبجيل والتعظيم ويحتقر ويستهين ويستهتر شعائر الله ولا يقدر الله حق قدره ؛ (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا)

 فإذا ما أكرم الله لك منصب من مناصب الدنيا أو إمامة الناس أو مكنك زمام القيادة لبلدك فلا يحق لك ان تستهزيء بشعائر الدين ولا ان تستفز حرمات الله ؛ وتمنع النساء الحجاب وتحرم عن الشباب اداء الصلوات الجماعة بالمساجد وتحتفل بالاعياد الكفرية الباطلة او ان تهين بثوابت الدين من اجل ارضاء الكفار تبتغي منهم العزة ؛ او ان تقارن دينك الحق المستقيم والمهيمن علي الاديان مع الاديان المنحرفة او ان تتحاور وتتناقش مع القوانين الوضعية بجانب قوانين الله المنزل من فوق السبع السماوات ؛ وان يقصدون ءامة الكفار الضالين الي زيارة بلدك وتفرح بمجيئهم وتعقد معهم الاجتماعات وتقبل اياديهم وترحبهم بحفاوة ؛ وتتنازل من اجلهم شعائر دينك وتنصهر مع شعائرهم الباطلة التي تدعوا الي الشرك ؛ فمن اتخذ دينه هزوا ولعبا فلا مكانة ولا سيادة ولا رفعة له بين الناس ويقطع الله دابره والاستهزاء بشعائر الدين من أسباب زوال النعمة وسوء الخاتمة؛

(وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)

ان اكثر دول الاسلام في زمننا الحالي يكرهون الاسلام ويتخذون  الدين سخرية ويستخدمون شعائر الدين استهزاءً يحترمون اصوات المغنيات والراقصات ؛ ويخذلون آذان الصلاة اذلهم الله ارضاءً لإسيادهم الكفار واكتساب محبتهم ويبتغون منهم الحماية والمدد والاعتراف والسند والرفعة ويسعون الحرص الشديد لإرضاء ملاحدة الغرب ؛ أعداء الله على طمس وتشويه صورة الإسلام الناصعة وتحويل المجتمع الاسلامي إلى مجتمع ساقط فاسد تنشر فيه الرذيلة وتعم الانحلال وينقرض في الأمة أصحاب الطهر والعفة ؛ وان تتوارى الفضيلة والعفة والنقاوة وراء حضارة الغرب المنحلة التي تدمر الخلق والقيم والثوابت ؛ فمن استهزأ شعيرة واحدة من شعائر الدين فهو كمن استهزأ بجميع شعائر الدين فهذا يعتبر ردة عن الإسلام وخروج عن الدين بالكلية فالذين يستخِفُّون ويستهينون بحرمات الله فهم فاسقون ومنافقون ومارقون من الدين ؛ ان الاستهتار بالشعائر والتهوين والتقليل من حرمة الدين والنيل من شريعة الله يؤدي الي الفرقة والتفكك في المجتمع وهذا من اسباب غضب الله ونزول عذابه ؛ ومن لم يعتز بدينه ولم يشعر في قلبه غيرة علي حرمات الله اذا استهينت فهذا يدل علي ضعفه وهوانه بين الامم فيطمعونه الاعداء ويستعبدونه ويخذلونه ويهينونه ؛

 (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين وما على الذين يتقون من حسابهم من شئ ولكن ذكرى لعلهم يتقون وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تُبسلَ نفس بما كسبت ليس لهامن دون الله ولي ولا شفيع )
فالاعتزاز بشعائر الاسلام هي ذروة سنام العزة فلا عزة بعدها ولا قبلها فمن اعتز بدينه صار عزيزا رفيعا سيداً امام غير المسلمين ؛فاذا تمعنت ايها المسلم بكلمات الآذان وتذوقت ذوق الفاظه شعرت ان العزة كلها يحملها الآذان (الله أكبر الله أكبر) فالله هو الاكبر من كل كبير ومتكبر ؛ واعظم من كل عظيم يدعي العظمة بين الناس فالله هو الوحيد الذي انفرد بالعظمة والاستعلاء والكبرياء ؛ فمن يجري وراء الكفار ويركض خلفهم ابتغاءً منهم العزة فاعلم انك ذليل اخزيت واهنت نفسك ؛ فالعظمة لله والعزة لله والعلو لله والملك والغني والجاه بيد الله يعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو علي كل شيء قدير ؛ فالخلائق كلهم فقراء الي الله فان نداء الآذان فهو انذار وبلاغ لكل عبد ان يعلم العزة والعظمة والعلو والرفعة والسمو لله وحده لا شريك له ؛ فيا ايها العبد الضعيف الحقير لا تغتر بقوتك وبعظمتك وسلطتك الزائلة التي ان اراد الله ينزع منك يقدر ان ينتزع منك في اقل من طرفة عين فانت ضعيف امام الله لا حولة لك ولا قوة فابتغي العزة من الله فالله هو العزيز القدير؛
(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
  

 

هل شياطين الانس اشد عداوة من شياطين الجن

ان كلمة الشيطان هي الابتعاد عن الحق واستحباب الشر وان يرضي المرء ان يكون خبيثا مطرودا من رحمة الله سواء كان جنيا او انسيا؛ وان من المؤلم ان شخص من بني جلدتك يتجانس معك يتكلم بلغتك ويشارك معك باللباس وتستودعه باسرارك وعرضك ومالك وتأخذ منه النصيحة والرأي ؛ فصار جزء منك ولكنه عدو خفي اشد خطورة وعداوة من شيطان الجن يستقوي بأكابر الابالسة ومردة مجرمين الشياطين ليحققوا له غاياته الدنيئة وأهدافه العليلة ؛ فهو صديقك في العلانية ولكنه عدوك في السر فشياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ليعذبوا ويوسوسوا ويفسدوا ويضلوا بالانسان الصادق مع ربه والشيطان الجني يتخفي وراء الشيطان الانسي ليظن اخوه الانسي انه رجل صالح فيوقعه في فخ الكبائر ووادي الشرور فكلما اعتصمت بحبل النجاة قطع منك ؛ وكلما نجوت من ذنوب الكبائر وتحررت من رق الشهوات والهوي وحسن حالك اغرقك بذنوب الصغائر؛ كلما وطأت قدماك الي بر النجاة من المعاصي استدعي اقرانه من شياطين الجن ليردوك الي اعماق الضلال والتيه ؛ كلما التحقت قوافل العابدين الصالحين وركب الاوابين التائبين صار قطاع الطريق نزع من قلبك وسلب منك ما دخرت من الاعمال الصالحة وتعيد الكرة من جديد ؛ كلما اصطلحت مع الله وانطرحت علي عتبته اوابا اواها اغتاظ وضاق صدره واختنقت انفاسه وانقبض قلبه يمكر لك الليل والنهار ويحيك لك مخططات الفساد والفجور والفسوق والعصيان ؛ كلما صعدت جبل التوبة والتقوي والعبادة والانابة ووصلت القمة وتقربت الي الله وانشرح صدرك بالعبودية ارداك من ذروة الجبل فاصبحت من الخاسرين ؛ كلما انبثق من وجهك نور الطاعة والعبادة حاول اطفاء هذا النور مهما كلفه فهو عدو لله ولرسوله والمؤمينين ؛ يتتلمذ بيد شياطين الجن بالخدعة والمكيدة والدسيسة والتلبيس والتضليل والتفسيق والتمويه ليخدمه لاضلال البشرية ؛

(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)

مداخل شيطان الانس كثيرة متنوعة تحمل الوانا شتي ومكور عديدة ولربما اكثر من مداخل شيطان الجن فشيطان الانس انه يرافقنا ويلازمنا ولا يفارقنا في كل الاوقات وفي كل مكان ؛ يهاجمك من طرائق شتي وغوائله لاحصرة لها ولعلها اكثر ضرراً وأشد فتكاً من شيطان الجن ؛ ان العداوة التي بيننا وبين ابليس واضحة لا لبس ولاغموض فيها وبيننا وبينه كراهيته ازلية مالا نهاية لها ومعركتنا تستمر ما دمنا احياء نرزق ؛ فهو مجرد حقود حسود ضعيف مذموم مدحور صاغر لا وزن له يخنس ويكنص ويتبخر حين نستعيذ بالله من وساوسه ونزغاته وهمزاته ولمزاته ؛ يسعى لكى يغوى ويضل ويغري ما يستطيع حتى لا يكون وحيدا فى النار ولكن الله امدنا سلاحا قويا نصد كيده ومكره فينهزم ؛ ولكن المعضلة هي شياطين الانس يخالطوننا ويزاحمون حولنا ويأكلون معنا ويشاركون معنا بكل تفاصيل الحياة ؛ ويتعاملون معنا في الاسواق والاعمال ودور التعاليم ويتواصلون بنا في الانترنت بعبارات منمقة خلابة فلا نراهم ؛ ويختفون وراء رسالات الالكترونية المقروءة بمفردات جذابة انه هو سحر العصر الحديث وشعوذة النت في تزييف الافكار وتعطيل العقول وتزيين الاكاذيب وزخرفة الباطل ؛ يرسلون سمومهم عبر الآلات الحديثة ويروجون افكارهم الخبيثة بالقنوات المسموعة باليوتوب وغيرها ؛ ويبعثون سراياهم عبر اشرطة التسجيلات العسلية الالفاظ يوزعونها مجانا دون ان تراهم فهذا هو الوحي الشيطاني عبر الاقمار الاصطناعية  ؛ فكأنهم شياطين الجن لا نراهم فهم اشد عداوة من مردة شياطين الجن (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ) ؛ فكم من شخص يتجسد امامك انه من حماة الدين وحراس العقيدة ويلبس لباس الصادق الامين والناصح الرحيم فهو من شياطين الانس ؛ فخلط عليك بين الحق والباطل فاولجك في متاهات الضلال والفساد فكم من شيخ عليم اللسان تستر بستار الدين فكان اشد عداوة وقساوة وفسقا من شيطان الجن ؛ فالشيطان الانسي لا ايمان له حتي وان اظهر الايمان لانه لا يأمر بالخير إنما يأمر بالسوء والفحشاء وأراحوا الأبالسة من الجن في كثير من الأمور فانهم يخدمونهم لاضلال العباد وافساد المجتمع ؛

شهر رمضان لتعظيم حرمته ومكانة قدره بين الشهور وكثرة ما  فيه من الفضائل تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب الجحيم وتصفد فيها مردة الشياطين ؛ ومن اجل هذا فلا بد القيام بفعل الخيرات والطاعات والانكفاف عن الفواحش والمحرمات والمخالفات وينزع الله شر وساوس الشياطين ونزغاته في صدور المؤمنين ؛ لكي يشمروا ويجتهدوا في الإكثار من الطاعات ومجاهدة النفس على ترك المعاصي ؛ ولكن الغريب نرى الشرور والانتهاك بحدود الله والمعاصى وارتكاب الجرائم واقتراف الكبائر واقعة في رمضان كثيرا فما السبب ؛ وان الجرائم والكبائر والمعاصي التي يرتکبها الانسان في شهر رمضان فهي نفس الننسبة او ربما اكثر منها التي يرتكبها الانسان في الاشهر الاخرى ؛ فاذا كان الشيطان مصفدا مقيدا فمن الذي يدفعه الانسان بالموبقات في رمضان ومن الذي يهيج ثورة شهوته ويحرك غريزته الجائعة ؛ ويتجرأ بفعل هذه الافاعيل الخبيثة التي ربما لاتخطر علي بال افكار الشيطان الجني ويخجل بها ان يرتكبها من شدة جرمها ؛ هؤلاء هم شياطين الانس الذين يستيجبون طوعا وكرهابكل اوامر ومطالب الشيطان؛
اولا لابد ان نعرف ان شياطين الانس ليسوا مصفدين ولا مكبلين بالقيود فيستمرون في غيهم وانحرافهم فلا يتوقفون ما الفت نفوسهم الشريرة الآمرة بالمنكرات والسوء ؛ فهم مجبولون في انتهاك المحظورات واتيان المنكرات فانفسهم باقية في حالها كما كانت قبل رمضان ؛ فلا يقوون التخلص علي الرذائل لانها طبعت في الشر والشيطنة فلا يستطيعون في تهذيبها وتزكيتها ولو في الشهر المبارك ؛ فهم لا يفرقون  في رمضان وغيررمضان فيواظبون علي ما تكيفوا في طوال السنة فتستمر نفوسهم سائرة علي ما تأقلمت ؛ لإن وحي الشيطان لا ينقطع منهم فلا يشعرون بنفحات رمضان وما فيه من الرحمة والمغفرة والاجر المضاعف فهم دعاة الفتنة حاملين راية قرينهم ؛ فقرينهم اللعين المصفد الذي كانوا يخدمونه قبل رمضان فيخدمونه ايضا في رمضان في حالة غيابه فما كان يقترفها قرينهم من جرائم في غير رمضان يوكل الي اصحابه شياطين الإنس فهم الذين يقترفون في رمضان نيابة عنه ؛ فهم سفراء الابالسة ونواب المردة فابليس وان كان مكبلا بالسلاسل والاغلال والاصفاد في رمضان فانه يترك من وراءه شياطين الانس ياَدون ما امرهم ان يفعلوا من بعده فلا يعصونه ؛ ينتجون في رمضان افلام خليعة ساقطة ومسلسلات ماجنة مخلة واغاني تذهب الحياء والخلق ومسرحيات هابطة تسلخ العفة والحشمة وتمرض القلوب وتفسد العقول والضمير وتعفن الفطرة السليمة ؛ 

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا جاء رمضان فُتّحـت أبواب الجنة، وغُـلّـقـت أبواب النار، وصُفّـدت الشـياطين)

فإسم الشيطان ليس مختصا لإبليس وذريته فقط فكل من تنطبق عليه صفات ابليس وعمله وفساده وشره وخبثه فهو شيطان وان كان انسياً ؛ وكل من يتاجر الرذيلة ويروجها بين الناس بأي مصطلح غامض محفوف بالورود اوتحت أي مسمى موهوم فهو شيطان ؛ فكل من يعيث في الارض الفساد ويصد عن سبيل الله ويفسد عباد الله ويضلهم ويوسوسهم وينشر الرذيلة فهو شيطان رجيم ملعون مطرود من رحمة الله ؛ فقد امرنا الله ان نستعيذ به كل من يوسوس في صدورالناس سواء كان من الجن او من الناس

(قل اعوذ برب الناس ملك الناس الهِ الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس)

 وكل من يتاجر الرذيلة ويروجها بين الناس بأي مصطلح غامض محفوف بالورود اوتحت أي مسمى موهوم فهو شيطان لدود؛ ومن الصعب أن تميز بين شيطان أنسي وبين إنسان طبيعي طيب الباطن رفيع الخلق فمظهرهما الظاهري قد لا يكون فيهما فرق كبير من حيث الشكل الخارجي ؛ لعل الشيطان الانسي تجد فيه بعض الاحيان الود والتدين الكاذب المزيف وبشاشة الوجه الخداع وقد يكون عذب الكلام حلو الالفاظ ؛ ولا تستطيع أن تكشف علي سر حقيقته إلا إذا خالطت معه وحصلت بينكما معاملة ومعاشرة وتبادلت معه الاخذ والعطاء ؛ ثم أظهر لك بعض ما كان يخفي في باطنه العفن من سوء وفتن وفساد وخبث ونجاسة السريرة وحينئذ تشعر من قلبك يفر منه ويكرهه ويبتعد عنه ؛؛

 

 

 

 

 

الصراع بين الانسان والشيطان

صراع ابدي بدأ مع الحياة وسينتهي مع الحياة ولا يتوقف ولو لحظة من الزمن ما دام الروح يسري في جسد الانسان فهو ابتلاء وفتنة ابتلاه الله النفس البشرية ؛ فهذه هي الغاية التي اراد  الله من أجلها خلق الانسان ليميز الخبيث من الطيب فبوجوده يتميز عباد الله المُخلصين والعاصين ؛ فلا تجد نفس لا يراودها  الشيطان فهو محور التمحيص والتنقيح والتنقية فان وجوده من لوازم التكليف والامتحان بين العبد وربه ؛ وبينه وبين الانسان صراع قديم وعداوة وحسد وكبر وانتقام واستعلاء (أَنا خير منه خلقتني مِن نار وخلقته مِن طين) ؛ ومن شدة هذه العداوة طلب الشيطان من ربه ان يستمر هذا الصراع حتي الي يوم البعث شاهد على مدي قوة هذا الحسد والحقد أنه تمني ان سيبقى بعد آدم عليه السلام إلى آخر من سيعيش في الدنيا لكي يتمكن إغواء من في الارض جميعا ؛ فقال (رب فانظرني الي يوم يبعثون) ؛ فبقاء إبليس يدل علي استمرارية المعصية والغواية باقية ما دام هو يعيش مع الانسان لانه قال لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين ؛ ومن اجل هذا الحقد والحسد اختار الشيطان اللعنة والنار وأن يتحدى أمرالله بعد ان كان من المقربين الي الله؛ ليحسد الانسان تلك المكانة والتكريم التي اعطاه الله من غير الخلائق الاخري من يومها بدأت المعركة الحاسمة ؛ ولم يترك الشيطان سبيلا الا وسلك بها ليفسد ويضل الانسان وفق طبيعة الشر التي تمكنت منه؛ وتسلح بجميع الاسلحة الي تعينه الاغواء والاغراء والتزيين والمكائدِ والمصائد والتسويف والمخادعة والغضب والاسراف؛ والحزن والنسيان وتحريك الشهوة والعجب فهو دائما يتلصص ويتسلل موطن ضعف الانسان فيأتيه من هذا الباب ؛ فهو بارع في مداخل النفس فلا يترك مدخلا الا ورمي بها سهامه فلا ينجوا في معركته الا المخلصين المقربين الي الله؛

(فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)

(قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً)

فهو يجاهد باقصي جهده ويحاول بكل الحيل ان يوقع الانسان علي الكبائر ويشاركوا معه في دخول النار (إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) ؛ ومع انه لا يستهين اي خطيئة مهما كانت حجمها ولا يأبه شكلها فهو همه الوحيد أن يعصي الانسان وحسب أيّاً ما كانت تلك المعصية فلا ييأس ولا يمل ولا يفتر ولا يكل ولا يقنط ولا يكسل ولا يعجز ولا يتوقف ؛ انما يحاول جميع أبواب الغواية والتزيين والتزييف وما أن وجد باب معصيةٍ أغلِقَ في وجهه انقلب الي بابٍ آخر فلا يتوقف عن الوسوسة حتي يقترف الانسان المعصية اياً كانت نوعها ؛ فاذا وجد في حصن الانسان بغير حماية وبلا رقابة هشا ضعيفا وحراسه غافلين مهملين وجد ضالته واقتحم الحصن وعبث وعاث فيها ؛ وتربع عرش الحصن فيروج فيها بضاعته فيقود صاحبه كما يقاد الحمير كيفما وحيثما شاء ويشبعه بما تميل وتحب نفسه فيتغلب عليه ويهزمه شر الهزيمة ؛ وتبدأ معركته من حين ان يخرج الانسان من رحم امه وتستمر حتي ان يفارق الحياة وخلال هذه الفترة لا يهدأ باله ولا ترتاح نفسه ؛ حتي يوقع الانسان بالرذائل والفواحش والكفر والشرك ويغرقه في بحر الشهوات والملذات والانحرافات ويصد عنه باب التوبة ولا يتركه حتي يتأكد انه من اصحاب السعير ؛

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه)

فالشيطان كثيرا يتردد ويحوم في قلوب الجهلة الذين لا يمتلكون سلاح العلم يشن لهم غارات متعددة وهجوم متنوعة من كل الجهات ؛ فيغرقهم امواج من التلبيسات والتدليسات حتي يشتبه  لهم الحق والباطل والخطأ والصواب فيقعون في شراكه من دون جهد كبير منه ؛ فيأتيهم عن طريق الوعظ والنصح فيرسم لهم طريقا سهلا مريحا ترتاح نفوسهم فينزلقون في فخاخه دون ان يشعروا عداوته وخداعه وتمويهه ؛ اذا جاءتهم موعظة من ربهم غير لهم مسار آيات الله وفسر لهم حسب تفسيره فيصدقونه فيتبعونه ؛ يأمرهم بالزهد فيصور لهم ان الدين هو عبادة فقط من صلاة وصيام وتهجد فينقطون عن الدنيا والسعي عن كسب العيش ؛ والهجر عن الزواج ويلبسون الخشن ويكتفون باللقمة واللقمتين والجوع؛ ويفضلون الفقر ويكرهون الاختلاط وينعزلون عن الناس فينزوون في المساجد باكين عاكفين زاهدين عن الحياة يتبتلون للعبادة فقط فهذا مخالف ما امر الله بنا ؛ فتتشوه فطرتهم وتنطمس بصيرتهم فيخبل عقولهم فلعلهم وقعوا فيما حرم الله فهذا هو نتيجة الجهل عن الدين فتصبح العوبة في غواية الشيطان ؛ فالجهل أغوى الشيطان نفسه واضله وافسد دنياه وآخرته فهو من جانبه سيغوي به الإنسان بنفس المرض فلذلك فهو يتمتع بعقل شرير قد عَرف الداء واختبره بنفسه وذاق مرارته واكتوي بناره فيحارب علي الانسان بنفس الداء كي يشارك معه في دخول النار؛ (ولقد اضل منكم جبلا كثيرا افلم تكونوا تعقلون)

(إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ)

حين ترتفع السنة نار الشهوة وتتوهج سعارها وتقوي دوافع الهوي وتثور نزوات الغريزة وحضر الشيطان من هنا يبدأ الصراع بينهما ؛ وكل واحد يشهر سلاحه فأيهما كان سلاحه اقوي من الآخر كانت له الغلبة والنصر ومع ان الله اخبرنا ان كيد الشيطان ضعيف ؛ ولكن اذا كان الانسان ايمانه وخشيته وخوفه من ربه ضعيف صاراضعف من الشيطان وكانت الغلبة والسلطة للشيطان ؛ ومن هنا تشعر ان الانسان في امس الحاجة  إلى خشية الله والخوف منه في دفع هذا العدو بسلاح قوي فتاك اقوي من سلاحه ؛ اما اذا كان اعزل من سلاح الخشية والتقوي فهي فرصة ناجحة للشيطان يتسلل الي قلبه ثم الي جميع جوارحه فيزين له المنكرات والشبهات ؛ حتي يصبح الانسان جند من جنوده وأصبح العدو هو المتصرِّف والمسيطرعليه وأصبح المرء يأتمر بامر عدوه بالسمع والطاعة ؛ فينزع عنه الشيطان الارادة والحرية فلا يفعل ولا يقول الا بما اَذنَ له الشيطان فلا يعصيه ؛ (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)

 وصراع الشيطان مع الانسان مستمر باستمرار الحياة لا تتوقف فالانسان القوي دائما يكافح ويناضل لا يخضع للشيطان مهما حاول الشيطان اغراءه واغواءه ؛ ولكن تارة تكون السيطرة الكاملة للشيطان على العبد العاصي المخالف لامرالله وتارة اخري يكون النصر بيد العبد المطيع لربه فهي حرب سجال بينهما ؛ فإن المؤمن سيظل دائما فى صراع مع الشيطان فى داخل نفسه وخارجها لا يضع سلاحه في اي وقت فهو دائما في اهبة وحذر ؛ وهذا الصراع قد ينجم عنه بعض الزلات والاخطاء والانزلاقات والهفوات والمخالفات والتقصير والتفريط ومعاص لانه بشرغيرمعصوم ؛ وحين يقترف الانسان المنكر والذنوب تستيقظ  مشاعرعبوديته لله من غفلتها وتنشط من عقالها فيعض على أكف الندم ويقوده ذلك الندامة والحسرة الي ان يخجل من خالقه ؛ فيهرول إلى محراب باب الله رغبا ورهبا وتضرعا وخشوعا وخضوعا وينطرح بين يديه رافعا اكفه فهو يعلم انه ربا غفورا رحيما ؛ يعلن الاسراع الي الاعمال الصالحة كي يمحوا السيئة قبل ان يتراكم قلبه الران ويتطهر من ادران المعاصي وعندئذٍ يسارع بالاستغفار والتوبة والانابة لله فوقتئذٍ يخيب الشيطان ويفشل ؛ فالانسان يعيش في تقلبات فتارة يزداد ايمانه وتارة ينقص حتي يلقي ربه ولكن لا يستسلم يولي دبره لعدوه اللدود ولا يطيع امره ؛ حتي يخرج من هذا الصراع الشاق منتصراً على هواه وغرائزه واغواء الشيطان ونزغاته وحينئذ يكون عبدا لله وليس عبدا للشيطان ولا  لهواه وشهواته ونزواته ؛ً ﴿إِنّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىَ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىَ رَبّهِمْ يَتَوَكّلُون إِنّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىَ الّذِينَ يَتَوَلّوْنَهُ وَالّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ ﴿إِنّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاّ مَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِين)

﴿إِنّ الّذِينَ اتّقَواْ إِذَا مَسّهُمْ طَائِفٌ مّنَ الشّيْطَانِ تَذَكّرُواْ فَإِذَا هُم مّبْصِرُونَ

ان عداوة الشيطان للانسان ليست عداوة حقد وحسد وكبر فقط انما هي عداوة افساد العقيدة وتدنيسها واقلاع الايمان في القلوب والاشراك بالله ؛ والالحاد وان يعبد الانسان الشيطان واشعال نار الفتنة وايقاد جذوة الحروب ونشر الفساد والرذيلة والخلاعة والفحشاء وشرب الخمر واللواط ؛ فاعلم ايها الانسان أن جميع الشرور والفساد في العالم من قتل ودمار وراءه الشيطان فهو السبب يخوض معركة شعواء مع الانسان في كل ميدان الحياة ؛ فيعوق له طريق الخير ويحبب له طريق الشر ويزجه الي طريق الشقاء والطغيان والظلم والجور والاستبداد ؛ فالشيطان يفتح للانسان أبواب خير كثيرة فيقصد من هذا ان يتوصل فقط إلى باب واحد من ابواب الشر ليضله أو يفوته خيراً أعظم من تلك الخيور الذي عرض له فهي خدعة وحيلة مفروشة بالورود ؛ وكل هذا العمل الشاق الذي يقوم به الشيطان فهو من اجل ان يجد مدخلا ومنفذا ليصل الي اعماق القلب فيقطع كل السبل ؛ لانه يعلم ان القلب هو محور الاعظم لقيادة الانسان ومركز العقل والاحساس الدقيق فاذا سيطر الشيطان القلب عمي العقل ؛ فالشيطان لا يقدر أن يصل إلـى القلب بسهولة لإن القلب حصنه قوي محكم بسياج الإيمان ولكن هذا العدو يحوم حول القلب حتي إذا غفل صاحبه تسلل بخفاء ؛ وما ان وصل الي عرش القلب هانت له طريق الإغواء والافساد والإضلال والوسوسة والقاء الشكوك ؛ وحين يتمكن ان يمسك زمام القلب اغرقه بالشهوات والشبهات والفتن ولا يترك شرا الا زين له ولا يترك خيرا الا صد عنه ؛ وحال بينه وبين طاعة ربه فيقسوا القلب فصار لا يعرف الا المنكر والمكر والعصيان فصار القلب شريكاً معه في اللعن الذي حاق به الشيطان من ربه حين عصي واستكبر امر ربه ؛  

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)

 (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون)       

هل تجديد الخطاب الديني خدعة لتحريف الدين ؟؟؟

ما ذنب الاسلام بما يقومون به جماعات ارهابية يدعون انهم مسلمين واحزاب تخريبية يقتلون الابرياء ويغتصبون النساء ويفجرون المؤسسات وينهبون اموال الناس ظلما وعدوانا باِسم الاسلام ؛ فالاسلام ليس دين عنف ولا يحرك شهوة العنف ولا يحض الجرائم ولا يغذي الأفكار الهدامة المتطرفة فالمسلم الحقيقي من سلم الناس من يده ولسانه فالاسلام لا يتحمل مسئولية من يترزق باسمه ومن هوعميلا لاعداء الدين ؛ فهل نغير احكام الدين وشرائع الاسلام ونتطاول علي ثوابته من اجل افعال مجرمي الدواعش وعملاء الغرب والاسلام بريء بما يقومون به ؛ ان ديننا الحنيف الطاهر يحرم علينا ان نتعدي اعراض الناس ونقتل بغير حق ومن فعل هذا فليس بمسلم فهل نغير منهج ديننا وقوانينه بافعال من هو ليس بمسلم ؛
(إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا، ألا هَلْ بلَّغْت)
ان ديننا دين اكمله الله ورضيه  لنا وطهره من كل عيب فليس دينا ناقصا يحتاج الي من يجدده ويحسن صورته كي يتلاءم مع العصر وليس دينا بدعاً عن الديانات السماوات السابقة ؛ (قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ) فهل نترك عقولنا وفهمنا الضعيف يتصارع مع النقل ونلوي عنق الدين صوب العصر وبما ينشرح به صدور اعداء الاسلام ويستبيح كل قزم بقواعد الدين يغيره كما يشاء ؛ وهل يجوز اقتحام حصون الدين بآراء وافكار بشرية تتناقش وتتجادل مع كلام الله وتصحح منهج الله واحكامه وقوانينه بما يتناسب ويتناسق مع العصر ؛ فهل الصراع السياسي فيما بين الشعوب التي ادت الي التعصب والتناحر والعداء والكراهية والانتقام والحروب نحمل اخطاءه بشرع الله ثم نهرول إلى تنقيح وتصحيح وتجديد واصلاح كتاب الله ؛ ونغير مسار المنهج الالاهي بما يقتنع به بعضنا علي بعض وننبذ كتاب الله وراء ظهورنا بذريعة مواجهة العصر وخروج من مأزق ونفق الخلاف مع الآخر؛ فهل يحق للمسلم ان يؤمن ويخضع ببعض قوانين الله ويصلح ويصحح ويجدد ببعضها ارضاءاً لاعداء الله واستجابة لاوامرهم ومطالبهم ؛
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)
(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
ان الامراض الذي انهك قلوب الغرب واليهود بسبب بغضهم وعداوتهم للاسلام وكرههم للمسلمين وعدم ارتياحهم بنعمة هذا الدين ونزاهته من كل عيب ونقص ؛ وقال الله لهم (قل موتوا بغيظكم) وبعد هذا هل ننكس ديننا ونغيره ونجدده ونعبث به ونخضعه لمؤامراتهم حتي ينشرح ما يخفي صدورهم ويشفي غليلهم ويخفف الًمَهُم ويرتاح بالهم ويبلغوا مآربهم ؛ ان تجديد الخطاب الديني هي خدعة يهودية وموؤامرة غربية لتحريف الدين وادخال العلمنة والثقافة الاستعمارية في ديار المسلمين ؛ وتغريب عقول شباب المسلمين وزرع نواة الحداثة في قلب كل مسلم وتمويه وتضليل افكار النساء وغسل امخاخ الاطفال والقضاء علي قيم المسلمين ؛ وادخال افكار تخريبية في ديار المسلمين تكسوا العقل بثوب الحرية الواهية ويعري القلب من الايمان والعقيدة الصحيحة ؛ واخلاق خبيثة تحمل طابع غربي منزوع الحياء والحشمة لا يحترم دينا ولا يلتزم بالعادات والتقاليد الحسنة ؛ وانشاء جيل جديد يتزين بزي عقلنة الغرب منزوع الارادة بلا منهج وبلاهوية منسلخ عن دينه وثوابته وقيمه يتبختر ويفتخر بالحضارة المادية التي لا تتساوق مع القيم الإسلامية ومقاصد الشريعة ؛ والتشبه بمن لا دين له مخلوع العقيدة الصحيحة ليحل محلها الالحاد وعبادة الشيطان فيعيش تحت تأثير ضغظ تحديث قسري وتبعية لهيمنة الغرب بعيدا عن الضوابط الشرعية ؛ والركض وراء المادة وتغيير خلق الله وانكار المسلم بانه مسلم يتبرأ عن دينه وشعائر دينه ارضاءاً للكفار والانصهار بطبائع الكفار وخلقهم ابتغاء منهم العزة والرفعة ؛
(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا)
(مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)
ان قصد الكفار لتجديد الخطاب الديني هو التجديد لأصول الدين وثوابته وأركانه الذي يقوم عليه بنيان الإسلام وشريعته مثل عدم تحريم الربا وتعديل احكام الميراث ؛ واعطاء الحرية للبغايا والمخنثين واصحاب الشذوذ والعاهرات وان تتناغم سلوك المرأة مع قيم الغرب ؛ وفصل الدين عن شئون الحياة وكل ما يتعلق عن التقدم والتمدن والتحضر ونزع الحجاب عن النساء وعدم الانقياد بنصوص القرآن الكريم وصحيح الحديث ؛ وتطبيق الأحكام الشرعية بما اصطلح عليه الناس لا بما يأمرهم النص القرءاني ليكون الانسان اكثر تحررا؛ ونعت احكام الدين بالجور والظلم والقسوة والاسبداد حتي تتيح لهم الفرصة لوسمه القاب خبيثة مثل دين الارهاب والتخلف ؛ والغاء كافة الموروثات الاسلامية وآراء وتوصيات السلف الصالح ومراجعة المراجع الدينية ليتناسق المسلم مع عقيدة الغرب والجاهلية الحديثة ؛ وعدم وصول نصيحة وافكار العلماء الربانيين علي عقول الشباب وتغيير مناهج التعليم وفق ما تملي بها ثقافة الغرب ؛ والانفتاح مع من لا يدين دين الحق وادخال الديمقراطية الغربية السقيمة المضللة في احكام الدين والحرية المطلقة اللاحدودية ؛ والتكيف مع العصر المنحل فالديمقراطية هي ثمرة من شجرالزقوم تغلي العقول حتي يتبخر ويطير وتفسد مسار الفطرة فهي تحترم الحرية الشيطانية ولا تحترم الدين وحكم الله ؛ وهل هذا يعتبر تجديد للدين ام هو هدم للدين وانشاء شريعة جديدة بوحي من الغرب واجتثاث كل ما يتعلق بإرث الاسلام ؛ وطمس واستئصال هوية المسلمين وتاريخيَّهم وكرامتهم وعزتهم وغلق ابواب العلم والمعرفة باسم التجديد ؛ فهذه هي حقيقة نواياهم وعداوتهم وما يحملون في اعماق قلوبهم البغيض للاسلام ولكنهم يتسترون بالتجديد باشياء بسيطة مبهمة خداعا لعقول المسلمين ؛ مثل خطب الجمعة المتشددة والمواعظ والمحاضرات وكل هذا احتيال ومكر واخفاء بما ترسب في بواطنهم النجسة ونصائحهم الابليسية ؛ اما مؤامرتهم اخطر وابعد مما يظهرون يريدون اطفاء نورالله بافواههم القذرة ويأبي الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون ؛ يتلونون بالوان عديدة ووسائل متعددة تارة في علاج التطرف والارهاب وتارة حماية المسلمين بل هم منبع الارهاب ومصدر التطرف ؛ (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ)
(وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )
علماء المرتزقة وعملاء الغرب وحكام الفجرة الكفرة دائما يختبئون وراء (جملة هزيلة تافهة) تصحيح صورة الإسلام فى الخارج وإظهار الصورة الحقيقية للإسلام للآخرين ؛ اولا متي كان الاسلام صورته قبيحة منذ ان ظهر حتي الان ومن الذي لطخ الاسلام صورته بالقبح والعار والكذب ؛ هم هؤلاء انفسهم الذين تأمروننا ان نقدم لهم سماحة الاسلام يا عملاء يا مرتزقة يا من يبيعون دينهم بعرض من الدنيا ؛ وثانيا لمن نظهر صورته الحقيقية ان الغرب واليهود واذنابهم لو شرحنا لهم الاسلام وفصلنا لهم تفصيلا حقيقة صورة الاسلام ؛ فانهم اصلا لا يعترفونه دينا ولا يصدقون رسالة رسول الله ولا نبوته فهم اعداء هذا الدين ويتهمون الاسلام بالارهاب والعنف والتخلف وسفك الدماء ومع انهم يعلمون انه دين حق وسلام ورحمة ولكنهم انكروه حسدا من عند انفسهم ؛ وهل الاسلام بضاعة مزجاة نروجها في ديار الملاحدة وقتلة الانبياء ومنكري الرسالات السماوية عمدا وتكبرا واستهزاءاً ؛
(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)
 وهل نداهن علي ماهم عليه من كفر والحاد وانكار ونغير ونجدد ديننا حتي يرضوا عنا ويحبوننا ونكون مثلهم ؛ فشرع الله ومنهجه جاء ليغير حال الناس إلى ما يريده الله منهم فليس من حقنا ان نغير دين الله الي ما يريده اعداءنا ؛ فكم من سنين مضت خضعت رقابنا علي ارضاء الغرب طوعا وكرها واطعنا اوامرهم المضللة واستجبنا املاءتهم ؛ ومن اجلهم تنازلنا علي حكم الله وجددنا ديننا وصححنا اجتهاد سلفنا وفقهاءنا كما يريدون واخضعنا قوانين الله مع تغيرات العصر كي يتناسب ارشادتهم ؛ فهل تغير حالنا إلى واقع يحبه الله ويرضاه ام نحن كل يوم ننحدر الي مستنقع الذل ودرك الشقاء وتحت وطأة اقدام الكفار ؛
(وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
(ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)
فاذا اتهموننا الغرب بالعنف والارهاب فعلينا ان نسأل انفسنا من الذي زرع الارهاب في قلوب بعض الشباب اليس الغرب هم الذين اسسوا وانشأوا القاعدة ومولوا علي داعش بالسلاح والعتاد؛ فلذلك الغرب يضحكون علي عقول المسلمين هم الذين يغرسون بذرة الارهاب والعنف في بلاد المسلمين ويدربون بعض شباب المتطرفين ؛ وهم الذين يحيكون المؤامرات في جنح الظلام ثم يطلبون منا تجديد الخطاب الديني وفق قواعد مصالحهم ومنظورهم فهذا هو قمة النفاق ؛ ويتهمون ديننا الحنيف بسفك الدماء والارهاب والعنف فيبثون في قنواتهم الافاكة دعايات اعلامية كاذبة ؛ بان الاسلام يحتاج الي اصلاح وتحسين صورته ومع الاسف فإننا نصدق بترهاتهم وخزعبلاتهم ونعبث ونتقول علي كتابنا العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؛ وننقب علي احاديث رسولنا الكريم الذي لا ينطق عن الهوي نطرحه علي طاولة الجدل ونغيره ونجدده باقلام مأجورة كما يريدون ؛ وكما يأمروننا وكيفما يقنعون ونقوم بتطويع مناهج الاسلام وشرائعه علي حسب نواياهم ومقاصدهم وتخضيع النصوص الدينية للثقافة الغربية المعاصرة؛ وبعد ذلك يطلبون منا الانفتاح الاعمي مع كافة الديانات والاعتدال على مسايرة الواقع الحضاري بكل متغيّراته وفق قيمهم وثوابتهم المنحرفة وكذلك مواكبة العصر الا يتتعارض ويصطدم مع الدين بل يريدون الدين ان يكون ملزما بمسايرة العصر ولا يخالف ؛ فيأمروننا ايضا أن نعالج الاخطاء الذي ارتكب الإسلام قديما وحديثا كما يزعمون هم يقولون لانه صار مشكلا في الحضارة الحديثة والعقلانية الغربية المادية ؛ فالعقل هو الذي يهيمن النص لان العقل يعرف مصلحة صاحبه فحيثما تكون المصلحة فثم شرع الله فكل شخص يأخذ من النص ما وافق واطمأن عقله ؛ فجعلوا العقل الغني بالعلم هو الذي يقرر ويشرعن ويعارض مع مقولة لا اجتهاد في النص فكأن العقل اكثر علما وفهما مع صاحب النص ؛ فيزعمون بازدراء وسخرية ان عقل القرن الحادي والعشرين ليس كعقل الماضي قبل اربعة عشر قرنا فان عقل اليوم غاص وانغمس في بطون الثقافات والعلوم المتطورة وخاض تجارب متعددة ؛ وكذلك يطلبون منا باَن لا نعود إلى وضعنا السابق ايام كان يقود الإسلام الامة الاسلامية وكان هو الحارس الوحيد الذي يحفظ عقيدتهم واخلاقهم ؛ وينصحوننا ان نندمج ونتكيف وننسجم مع حضارة الغرب حتي نضمن مستقبلنا وتقدمنا ونلتحق مسايرة التطوّر الحضاري العالمي ؛ وان نفتح بابا جديدا في الاجتهاد في الفقه الإسلامي وان نستنبط أحكاما جديدا يتناسق مع الواقع وان ننقي الموروثات القديمة واعادة النظر في احكام الجهاد ؛ وان نتنازل ونتبرأ الفتاوى السابقة التي ورثنا منها سلفنا الصالح لان هذه الفتاوي لا تخدم لصالح تقدمنا ولا استقرار مجتمعنا ؛ فلا بد ان تكون الاحكام والقوانين مبنية علي مصلحة المسلمين الدنيوية حتي وان كلفهم مخالفة النص
اليس هذا نسف الدين من جذره وتحديثه ليلبسوا له ثوب الحداثة والعلمنة الغربية وهدم القيم التي أرساها الإسلام قبل أربعة عشر قرنا وهدم الشريعة وإلغاء أحكامها ؛ وادخال القوانين الوضعية في كتاب الله بذريعة التجديد والاصلاح ودفن أحكام الله الثابتة التي لا يجوز تغييرها أو تبديلها بحال من الاحوال ؛ وان يخلع المسلم ربقة الاسلام من رقبته وتدمير الثوابت وطمس عقول الامة وافساد مبادئهم ومناهجهم ؛ واخماد سراج فطرتهم وتعتيم افكار الناشطين وان يعيش المسلم في حالة التلقين وعقلية التبعية والتقليد بافكار الغرب كأن دين الله ناقصً يحتاجً الي تتمة ‏؛ وكذلك يقومون بتحوير عقيدة المتديين عن مسارها الصحيح حتي يكونوا امثال اللادينيين الذين يأكلون ويشربون وينكحون ويتمتعون كالانعام ؛ وهذا هو الفخ الذي يجهزون للمسلمين حتي يصيروا لا يفهمون نصوص دينيهم من قرءان وسنة ولا عقيدتهم ولا موروثاتهم كأنهم خلق جديد ؛ ومن هنا تنفجر قنبلة الكارثة لإن الناشيء المسلم يترعرع بهذا الدين المنزوع عنه بكل ما انزل به علي سيد المرسلين ؛ دين جديد يحمل رسالة الغرب وافكار اليهود وجراثيم حضارة المادة والانحلال دين غربلها الغرب اخرج منها بما لا يعجبه وادخلها بما يريد هو؛  يسعون بكل جهدهم ويبذلون بكل  طاقاتهم بهجوم شرس علي القرءان ليحتلوا مكانته الراقي ليحل بما انتج عقولهم المخمور وافكارهم الفاسد والمفسد ؛ وتقديم اقوالهم المنحرف ونصائحهم المعوج السقيم علي ما قال سيد المرسلين الذي لا ينطق عن الهوي ؛ ولغت لسان الغرب واليهود النجس في اوعية افكار وثقافة وعقول المسلمين فعلينا ان نغسل قلوبنا ونطهره بآيات الله واحاديث خاتم الانبياء سبع مرات في كل يوم ؛
(كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ)

فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ

امر االله نبيه ان يستمسك ويثبت بالذي اوحي اليه لإنه لا انحراف فيه ولا اعوجاج ولا يقبل الي تجديد او تبديل او تغيير فهو يتوافق وينسجم في كل زمان ومكان ؛ فلا يستطيع الشيطان واعوانه أن ينقصوا منه شيئا ولا ان يزيدوا فيه باطلا واكاذيب وخرافات او إدخال ما ليس منه فهو محفوظ (تنزيل من حكيم حميد) ؛ فدين الله هو الطريق الحق المبين والصراط المستقيم والرسالة السماوية الاخيرة التي اراد الله بها ان يختم بهذا العالم  فلا رسالة ولا نبي بعده ؛ ووحي الله لا يستغني احد طرفة عين فهو حياة القلوب وغذاء الروح ونور البصيرة فكم من اناس احياء الاجسام اموات القلوب لانهم لم يستجيبوا نداء الله ورسوله فالوحي يحيي القلوب قبل البدن فاذا كان القلب حيا فحينئذ تسري الحياة الي البدن ؛ فمن استمسك الوحي فقد يرزقه الله حياة القلب والبدن معاً فيشعر نورا في قلبه وعفة وطهارة في بدنه ؛ فمن اعرض عن وحي الله يشعر ظلمة وعمي في قلبه وجوارحه تتخبط يسقط في كل زلة وينزلق الي حضيض الشهوات وتقوده الاهواء والشياطين فهو الاخسرين اعمالا يتهوك في الضلال وفي الريب يتردد ؛ 

(أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا)

فالوحي كالغيث الذي ينزل من السماء يحيي الارض الجدب الميتة فتختضر فينبت منها الزرع والثمار اليانعة والزهور فتنبعث منه رائحة طيبة عطرة وجمالا فيتحسن منظرها فتتشعشع منها نورا وبسمات ؛ وكذلك الوحي اذا جف ينابيعه ونوره في قلب العبد تتوقف الحياة وينطفيء نور الايمان في القلب ويسود ويظلم ويقسوا ؛ فتذهب نضارة العبد وجماله فيصبح مطرودا محقورا في كل مكان فيعيش حياة بهيمية فهو ميت وان كانت الحياة تسري في جسمه ؛ فالقلب اذا مات تتوقف الحياة الحقيقية فيصبح العبد كالانعام بل اضل سبيلا لانه يفقد نورالهداية ويتخبط في الظلمات؛ (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) 

 (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ)  

(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)

فالذي يريد النجاة في الدنيا والفوز بالآخرة فعليه ان يستمسك بكتاب الله فمن خالف الاحتكام بما انزل الله والاعراض عنه ؛ فانه يعيش بالضنك والضلال فمن عبد هواه ويعش عن ذكر الرحمن يكون عبدا للشيطان والشهوات فَتَخطفه الطير أَوْ تهوي به الريح فِي مكان سحيق ؛ فلا بد للعبد أن يتحرر من عبودية غير الله ويحقق العبودية لله وحده وان يكون عبدا مخلصا لله لا شريك له ؛ وان يتحرر ايضا من الدنيا وشهواتها وغواية النفس كي يكون قلبه متعلقا بالآخرة فيسعى لها سعيها فكل هذا لا يتحقق الا التمسك بما انزل الله ؛ فمن سعي بغير ما انزل الله او يحاول ان يجدد وحي الله برأيه وبعلمه الهزيل او يؤمن ايمان اعمي ان هذا الدين لا يتمشي بتغيرات العصر والحضارت فانه يهلك نفسه ؛ فإن شرع الله لا يشاركه حكم بشري مهما كانت قوة ثقافته ورجاحة عقله فللعبد ان يجعل امره كله تبعا للوحى ولا يستحب العمي علي الهدي ؛

((اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَاإِلَهَ إِلَّاهُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ

يأمر الله نبيه ان يأخذ كتاب الله بقوة وان يستعصم بحبله ولا يميل الي جهة اخري لإن الله انزل له (قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) ؛ وان هذا القرءان فهو ذكر ورفعة وعزّة له ولقومه وهذا الامر موجه الي كل مسلم ان يؤمن ان هذا القرءان هو الذي يقود العالم حتي تقوم الساعة ؛ فلا بد ان يعرف المسلم ان الهجمات التي تأتيه من الغرب والشرق لا ينجوا من شرها الا بسلاح الوحي الرباني ؛ فان تمويه الافكار وتسميم العقول وتشكيك العقيدة وتمريض القلوب وتضليل الهوية وتزيين الباطل وتحريف الخلق وتشويه الحقيقة وتلميع صورة الفحش لا يصده الا هذا الوحي ؛

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)

(وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)

وعلي كل عبد ان يستسلم وحي الله قلبا وقالبا فلا يأخذ من شرع الله ما تشتهي نفسه ويترك ما لا تستجيب رغباته وان لا يؤمن ببعضه ويكفر ببعض؛ ولا يقلب وجهه الي شرائع وقوانين اخري باطلة وضعها البشر بعقله وعلمه المحدود يحارب الدين ويشوه كتاب الله ؛ فدين الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهو صالح للعمل والحكم والاستدلال والتعبد به الى يوم القيامة ؛ فلا يدعي قائل قصير النظرة فيقول أن هذا القرآن خاطب عقول العصور البائدة وافكار اصحاب البداوة الجاهلية ؛ وفي زمن بعيدا كل البعد عن الحضارة الحديثة بالعكس بل جاء الاسلام ليخرج الناس من الجهل الي العلم ومن الظلمات الي النور ؛ ومن الكفر والالحاد الي الايمان وان يخرج الناس من ذل الشهوة الي الطهر ويكسر قيود الظلم والاستعباد ؛ وان ينقذ الناس من عبودية العباد الي عبادة الله وان يحرر العقول من شوائب التخلف وسجن الهوي وطاعة النفس والشيطان فالاسلام رحمة للمؤمنين ؛

(هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا)

(قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)

ان هذا الوحي جاء ليكشف ما يضمرون الكفار في طيات صدورهم النجس من الحقد والبغض والحسد ويكشف عورات قلوبهم وغوامض اسرار ما يحملون في بواطنهم ؛ فلذا امرنا الله ان نستمسك بالوحي لانه هو الحق والطريق الوحيد الذي يفضح كيد الكائدين ومكر الماكرين ؛ وهو الذي يقودنا الي حضارة مستقلة ونستغني عن حضارة الغرب المنحرفة التي تفصل الدين عن كل شيء والتي تجعل الانسان بلا عقيدة وبلا هوية وبلا خلق؛ فقد اعزنا الله بهذا الوحي فاذا تخلينا عنه والتمسنا العزة من غير هذا الوحي من الغرب والشرق اصبحنا صاغرين اذلاء منهزمين؛ والبسنا الله لباس الذل والمهانة وينكرنا اهل السماء واهل الارض ونتخبط وراء ذيل القافلة ويستلم زمام قيادتنا اعدائنا فيستعبدوننا فهذه هي واقع حياتنا ؛ فكرامتنا وعزتنا ورفعتنا وشرفنا وسيادتنا مرتبط الانقياد بهذا الوحي فمن تذلل لله تحرر من عبودية العباد ؛

(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)

فكل عبد في امس الحاجة الي هذا الوحي لانه يغسل القلوب ويطهر النفوس ويزين الطبائع بالخلق الرفيع ومن خضع قلبه بوحي ربه يشعر كأنه يترفع من كل خبث وفحش ودناءة وسوء المنظر ؛ يشعر فكأنه يخرج من سجن الهوي ورق النفس الامارة بالسوء فلما كان القلب ملك الجوارح اذا صار عبدا لخالقه تحررت جميع الجوارح من ذل المعاصي وشؤم الذنوب وغواية الشياطين؛ فيخرج القلب من ضيق الطمع وضغط الشهوات وحب زخارف الدنيا ويتلذذ سعادة العبادة فيستأنس ذكر الله واللسان يردد بما يمليه القلب غدوا وعشيا ؛ فيستغني عن الماديات فيبيت عند ربه سجدا وقياما فيشعر العبد عزة النفس والطمأنينة فالعزيز من اعتز بوحي الله فهو قوة الجوارح وغذاء الروح ونور القلوب وشفاء الصدور؛

(وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)

فالقلب يتزين بنور الوحي كما تتزين العروسة لزوجها ويلبس جلباب الهيبة والوقار منقوش يآيات كتاب الله ويتنزه ويعفف بما حرم وحي الله ؛ فتخضع جوارحه اذا نطق اللسان بكلام الله فينكسر ويقشعر بدنه اذا سمع عظمة الله وعفوه فيبتهج ويذوب فرحا اذا بشره الوحي بنعيم الجنة ؛ فتزداد له عبودية وتقربا الي الله فيقطع مفازة واسعة ليصل الي رضا الله فلا يعجز ولا يكسل ولا يمل ؛ فاذا بلغ بهذا المبلغ في العبودية استمتع بلذة العبادة والطاعة لله فلا يفتر الوقوف بين يديه آناء الليل فيعاتب نفسه دائما بالتقصير والتفريط ؛ فلا يغفل ولا ينسي لربه لحظة ولا أدنى من ذلك ويظهر الافتقار التام لعفو الله ورحمته فعرف قدر نفسه انه فقير الي الله ؛ فيلتجأ اليه فيستجيره ويستغيثه بتذلل وانكسار وخشوع ويتجافي جنبه عن مضجعه وتجري الدموع علي خديه تعبر بما في اعماق القلب طمعا بما عند ربه ؛ فيرفع الله عنه الخوف والهموم والغموم والجشع واللهث واللهف وراء الماديات والخوف بالمستقبل المجهول ويتمتع بالثقة والسكينة فيستريح قلبه فكأنه يتقلب في ظلال روضة جنة الدنيا وان كان فقيرا ؛ فتأتيه الدنيا مرغمة منكسة خاضعة بين قدميه فلا يباليها فيبادله الله بحب اكبرمن حبه فينادي الله لجبريل اني احب فلانا فهذا هو ثمرة التمسك بالوحي ؛(وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ولتصنع علي عيني)

(إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ)

(أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُون)

ان من المؤسف ان بعض مرضي المسلمين يعانون بامراض شتي ومع انهم يعلمون الدواء الناجع لمرضهم ولكنهم لا يتعاطون بهذا الدواء ولا يهتمون به (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ؛ ولا يتبادرون بوضع هذا الدواء بمكان الداء ولا يريدون ان يتشفوا بهذا المرض الذي يسري في داخل بدنهم والذي يعطل كل يوم جارحة من جوارهم ؛ فصاروا لا يهتمون الدواء وفضلوا ان يعيشوا بمرضهم فتحول هذا المرض الي صحة وشفاء فاصبحوا يفتخرون بمرضهم والقوا الدواء في سلة المزابل ؛ فلما استفحل المرض وانهك الجسد ونخر عظامهم وعطل المناعة واتسعت رقعة الجرح افسد المرض بصرهم وبصيرتهم ؛ ومنعهم التعلم والتفقه في الدين وحال بينهم وبين شرع الله واشغلهم بعلم لا ينجيهم بعذاب الله حتي صار بعضهم لا يفرقون بين الحلال والحرام وكيف يؤدون فرائض الله ويلتزمون عند حدود الله ؛ وكذلك اطفأ هذا المرض نور عقولهم وسراج فطرتهم واغلق منافذ قلوبهم كي لا يصل اليه نور الوحي الرباني الذي يشفي هذا المرض ؛ فلما علموا انه لا مفر منه ولا الاستغناء عنه فلا بد التعاطي بهذا الدواء وضرورة التداوي بدواءه فالحياة تتوقف بغيابه ؛ وقعوا في فخ آخر اشد خطورة من الاول حاولوا تجديد هذا الدواء الذي وصفه الله لعباده المرضي وحاولوا تمييعه وتحريفه وتغييره وتبديله ؛ فهو بما يسمي في عصرنا تجديد الخطاب الديني وتغيير أصول الدين وثوابته فوقعوا في الطامة الكبري والداهية العظمي فوقعوا في قعر الجهل وقاع السفاهة والسفالة ودرك الغباوة ؛ وشراك الملاحدة وقبضة الغرب اعداء الدين وكمائن الشياطين ووادي الفساد وذهاب الخلق والحياء وحضيض الانحلال وانياب الشهوات ومصيدة الاعداء؛وانتشار الجهل والانحراف عن الجادة والتشرذم والقطيعة بين المسلمين والضعف والغثائية امام العدو وتفكك كيان المسلمين ؛ وفقدان القيادة الصالحة وضياع سيادة المسلمين والاستسلام لاعداء الاسلام والمسلمين وحب الدنيا وكراهية الموت والإقبال على الفواحش كل هذا سببه تجديد الخطاب الديني ؛ وحتي رسول الله وظيفته ان يبلغ رسالة الله كما هي وكما تلقي من ربه وان يتقي الله ولا يطع الكافرين بهواهم وما يخدم مصالحهم ويتفق مع نزعاتهم ؛ فحذره الله لان الكفار كانوا يطلبون منه ان يبدل هذا الوحي وكان رسول الله يقول ما يكون لي ان ابدله من تلقاء نفسي ؛ انني اتبع ما يوحي الي وليس لي حق ان ابدله او اغيره اني اخاف عذاب يوم عظيم وما علي الا البلاغ كما نزل ولا يحق لي ان أضيف وحي الله شيئا مما لم ينزل الله به ؛

(وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِين ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ)

(وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا

(وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)

بدأ الله الوحي بأول نبي آدم عليه السلام (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ) وختمها علي آخر المرسلمين نبينا محمد صلي الله عليه وسلم (ولكن خاتم النبيين والمرسلين) سواء كان هذا الوحي مباشرة او غير مباشر او بواسطة مع جبريل او غير واسطة ؛ ولم يتدخل قط هذا الوحي بشرا غير الانبياء المعصومين الذين ادوا امانة الوحي كما امر ربهم ؛ بل تحدي الله الناس اجمعين بان يأتوا بمثله وعجزوا عن ذلك حتي البلغاء والفصحاء فكيف يجددها في عصرنا اقزام تربوا وشبعوا في موائد الغرب وشربوا وارتووا سؤر الكفار؛ فالوحي محفوظ من عند الله (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) فلا احد يقدر ان يتطاول ليجدده او يغيره او يخفف احكامه او ينقص منه شيئا اويزيد فيه قوانين وضعية بشرية حسب رغباته واهواءه ومصالح؛

(قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)

فاحكامه وشرائعه ثابتة مستقرة من يوم ان اكمل الله هذا الدين الي ان يرث الله الارض ومن عليها فليس هناك حكم آخر اوشرع غيره يعوض مكانه ؛ فلا احد يحق له ان يمد يده الي كتاب الله ويعبث فيه ويقترح رأيا من عنده ويحاول تجديده ؛ مهما بلغ من العلم واوتي له بلاغة وفصاحة ومعرفة فعليه ان يلتزم حده ويعرف قدره وضعفه ؛ فلا يجتريء ان يبدل آياته واوامره ونواهيه فوحي الله لا يقبل التحريف والتغيير والتجديد ولا ان يشارك احد في التعديل والتقويم لان وحي الله (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) ؛ فقد هيأ الله وحيه ليواجه ويمشي مع كافة الاحوال والظروف وفي كل بيئة ومهما تقدم الانسان عقله وعلمه ؛ ومهما اختلفت الازمنه والامكنة ومهما تقلبت العصور ومهما تنوعت المذاهب الأرضية فوحي الله يتناسق مع الفطرة ولا يخالف العقل ولكنه فوق ارادة العقل والهوي ؛ فمن يضاهي وحي الله ويضع قوانين يحارب قوانين الله وينازعه في الامر والنهي ويجادل معه في الافكار والمنهج حسب رؤيته القصيرة وعقله الضيق فهو شيطان لئيم سفيه ظالم مجرم ؛ (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ)

لا يسود الامن في هذا الكون ولا يعيش البشر فوق الارض في طمأنينة وعزة وهدوء وارتياح ولا يذوقون طعم السعادة ولا ينتهي الخلاف والظلم والجور والقتل فيما بينهم ؛ ولا يتنعمون بالحرية والاستقرار والمحبة والاحترام ولا يرفع الله عنهم الخوف والفقر والذل والهوان والفساد والشقاوة ولا يحققون آمالهم ولا يبلغون مبتغاهم ؛ الا اذا تمسكوا بالذي اوحي الي نبيهم وان يتحاكموا بما انزل الله اليهم وان يطبقوا حياتهم  بالمنهج الذي رسمه الله للبشرية في كتابه الكريم ؛ فالدواء الوحيد الذي يعالجون أمراضهم وعللهم ومشاكلهم وخلافهم وتأخرهم والنصر علي عدوهم ؛ هوالدواء الذي وصفهم الله في وحيه فاذا اهملوا هذا الدواء ولم يتداووا به وسعوا الي دواء آخر غيره ؛ يستعصي امراضهم يوما بعد يوم حتي يتلف بدنهم وعقلهم وفطرتهم وخلقهم وثقافتهم فلا يبرأون من مرضهم ولا يتشفون من سقمهم فبادروا الي صيدلية الرحمن واذا مرضت فهو يشفين ؛ 

(وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا)

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)              

( لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي )

=وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ

من دفع مالا او اهدي هدية لمسئول اوحاكم او من هو قائم باعمال الحكومة ليقضي له مصلحة بظلم لإبطال حق أو إحقاق باطل ؛ او ان يهضم ويستولي حق غيره بالرشوة فهو ملعون وكذلك من اخذ هذا المال ومن كان الوسيط والساعي بينهما ؛ لإنهم ارتكبوا كبيرة واثما كبيرا وقاموا بفعل ما يفسد الارض ويغمط الحق ويطمس سوءة الجرائم ويحسن صورة القبائح ؛ ويقلب الحقائق والوقائع ويعطي الحق لمن لا يستحق وطلي الظلم بصبغة العدل وستر عيوب الغني وانكار ونهب حق الفقير والضعيف ؛ ونصرة الغش والزيف والظلم والخيانة والخدعة وتلميع صورة المجرم بالبراءة والنزاهة ؛ وتربع مكانة المثقف المتعلم الي جاهل الذي لا يملك مثقال ذرة من علم فتجده يحمل شهادات عالية وامتيازية مزيفة ؛ وتوسيد الأمر إلى غير أهله واضاعة الحقوق والكفاءة بين الناس  وترقية المناصب والوظائف الي من لا يستحق وزرع اليأس والاحباط في قلوب المثقفين وذوي الخبرة العالية ؛ وحكم الكاذب الخائن المتكبر علي الصادق الامين المتواضع فالرشوة تقلب الموازين وترفع الفاسق الفاجر وتضع التقي الصالح ؛ وتأمن حياة المذنب الذي ارتكب بشتي انواع المخالفات وتخوف وتهدد البرئء الذي يحفظ كرامته ؛ فهي تحلل الحرام وتحرم الحلال وهذا مما نعيش به في واقعنا الحاضر المؤلم ؛ ولعن رسول الله من اتي بهذه الافاعيل المحرمة (لعن رسول الله الراشي والمرتشي والرائش) (سمّاعون للكذب أكّالون للسحت)

عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به)

وتلبيس الرشوة بثوب الهدية او الصدقة والمكرمة فهي تعتبر تحريف دين الله واحتيال عقول الناس فإنّ كثيرا من التجار واصحاب المحلات يلجأون إلى الطّرق الملتوية المحفوفة بالهدايا؛ ليصلوا إلى بغيتهم عند المسئولين والحكام بهدف التّوصل ليسهلوا لهم حاجاتهم وما يعيق تجارتهم ؛ فيأتون من قبل اهليهم فيأخذون الهدايا لهم وإلى اقرب الناس اليهم ونساءهم وبناتهم فكل حاكم او مسئول اخذ مالا باستغلال منصبه فهو مال حرام وسحت ورشوة ؛ ولإن كل مال يأخذ من الرعية غير راتبه فهوضرب من ضروب أكل أموال الناس بالباطل ؛ فلا يحق للمسئول ان يمد يده بمال الحكومة بأي وجه استلمها فعليه ان يرد الي خزانة الدولة فهي مال الامة وليس ماله ؛ فكل هدية واوسمة يتلقي بها الحاكم من حكام العالم باسم الحكومة فهي مال الحكومة لإنه اكتسبها بمنصب الحكومة فلو جلس في بيته هل يهدونه بالهدايا والاوسمة ؛ومن المخجل والخزي والعار ان حكامنا اليوم يعلقون ويزينون صدورهم بهذه الاوسمة فخرا واعتزازا ويتبخترون بلا ضمير بين الناس ودون حياء ؛ 

(قال صلى الله عليه وسلم لرجل كان عاملا على الزكاة وقد أهديت له هدية – فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر أيهدى له)

(فلما جاء سليمان قال آتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون)

لما بعث رسول الله صلي الله عليه وسلم ابن رواحه إلى خيبر فيخرص بينه وبين يهود فجمعوا حليا من نسائهم فقالوا – خذ هذا لك وخفف عنا وتجاوز في القسم 

فقال ابن رواحة – يا معشر يهود والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلى وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم واما ما عرضتم من الرشوة فانها سحت فانا لا نأكلها

فقالوا له اليهود – بهذا قامت السماوات والأرض

الرشوة ترفع من لا يستحق الرفعة وتضع بالظلم من رفعه الله وتوظف الجاهل الساقط الفاشل الذي لا خبرة له ولا في حوزته ثقافة تؤهله الي ادارة امر الرعية ولا يتقن العمل فتراه يحمل شهادة عريضة مزورة اخذها من غير جهد ولا تعب ؛ فيبذل اموالا ليتولي مكانة مرموقة في ادارة الدوائر الحكومية والمؤسسات الحساسة وكل الموظفين الذين هم اعلي مستواه يجرون وراءه بالسمع والطاعة ؛ وصاحب الحق والخبرة والعلم والكفاءة تتردد آثار خطاه في ابواب المكاتب فلا يقدر احد حق قدره بل يكون عباً وعالة في المجتمع فيقضي عمره في ذلة وفقر لانه لا يجد مالا يحتمي به ؛ فعندما يصبح المال معيار القيمة لكرامة الانسان بصرف النظر من اين اكتسب فهذا يؤدي الي اهتزاز القيم وغروب شمس الثوابت والخلق وزعزعة الثقة بين الناس ؛ فعندئذ تهون النفس الكريمة النزيهة وتعتلي النفوس الدنيئة الخسيسة الي منبر لا تستحق فالغالب دائما من دفع الكثير ؛ فكم من مثقف دفنوا ثقافته تحت الارض وكم من عالم يرتزق بعمل لا تليق كرامته وكم من وجيه صار خادما لسفيه وكم من حكيم رزقه الله الحكمة فيطيع اوامراهبل معتوه لانهم لا يجدون ما يلقمون في افواه المرتشين ؛ بل إن خطورة الرشوة وفسادها وتداعياتها تتجاوزعن هذا بكثير فهي تشيع وتنشر صور الفساد الأخلاقي وتدمر الضمير والمروءة والعفة ؛ فكم من امرأة اغروها بالمال وعاهدوها بان يرفعوا اسمها وتشتهر بين النساء ؛ وان ترتقي الي منصب ما كانت تحلم عمرها وطلبوا منها إقامة علاقة محرمة مقابل قضاء مصالحها أو تحقيق مطالبها؛ فلما شبعوا منها رموها في المزابل وافسدوا بيتها وفرقوا بينها وبين زوجها وتعيش الان في فضيحة وندامة ويأس تقلب كفيها حسرة وتأسفا لعن الله الراشي ؛ وكم من رجل طحنه الفقر اغروه برنين الدراهم والدنانير وبريقهما ولما طاش عقله وفقد ضميره وتخبط وعيه وغاب ايمانه اشترطوا له بان يقتل فلانا فقتل فيختبيء الان في وحشة وظلمة الكهوف تاركا اولاده خوفا من القضاء والانتقام؛ فكم من طالبة كانت مجتهدة شاطرة في تعليمها فاقسمت بالله ان لا تتزوج الا بعد ان تكمل دراستها الي درجة الدكتوراه ؛ فلما بلغت مبتغاها واخذت الشهادة التي سهرت من اجلها فاخذت تبحث عملا مرموقا يناسبها ومنصبا راقيا كي تستمتع ثمرة شهادتها ؛ فوجدت كل الابواب مؤصدة علي وجهها الا بابا واحدا ان تضع عرضها في طبق من ذهب وتقدم هدية للمدراء ففعلت واستسلمت فصارت سجينة في احضان المدراء ففقدت امل الزواج ؛ فكم من شيخ تعلم كتاب الله وسنة رسوله وتفوق وصار نابغا فقيها في تعلم شرائع الدين ؛ فاصبح صوته مدويا في المنابر يجلجل الظلم وينطق علي الحق وينصر المظلومين ولا يخاف لومة لائم ؛ فلما اشتهر ولمع نجمه وبلغ صوته في كل حدب وصوب استدعته الملوك والامراء في قصورهم فاغمسوه في خزائن الذهب والفضة ؛ واسقوه رحيق الاموال فلما ارتوي اختمر ايمانه فصار عدوا لله ورسوله اصبح لسانه يقبح بما كان يمدح بالامس ويحرم بما كان يحلل ؛ وانكر مما كان يفتي من قبل ويحرض طاعة الامراء وان كانوا فجارا فساقا باع دينه بدنيا غيره خسرالدنيا والآخرة لعن الله الراشي والمرتشي؛ فكم من شاب بريء لفقت له جريمة مدبرة مزورة فلما اراد ان يبدي براءته واتي بالادلة والبراهين انه بريء البسوه بجريمة اخري اشد خطورة من الاولي ؛ فلما حاصرته امواج شهادة الزور من كل جهة فلم يجد مخرجا واحاطت به تهم الهلاك طلبوا منه حفنة من المال ليخلص نفسه ؛ فاعتذر انه لا يملك هذا المبلغ حكموه بالظلم ورموه بالسجن فأخذ يصرخ وراء القضبان والله اني بريء فلا حياة لمن تنادي ؛ فقضي معظم حياته في السجن مظلوما منكوبا حزينا فخرج من السجن وهو كهلا وهنت عظامه فلا يعرف من اين يبدأ في حياته ؛

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)

(قال رسول الله صلي الله عليه وسلم – إنما هلك الذين من قبلكم لأنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها)

الظلم في هذا الزمان

اصبح المرء في زمننا يعيش في رعب من كثرة الظلم وعدم الامن والاستقرار فلا احد يبالي ويخاف من الاثم والمعاصي فقد طغى الظلم وتوسع على وجه الأرض وبلغ الذروة ؛ فصاروا الناس يتسابقون بالمنكرات والجور وهذا مما جعل العباد يعيشون في احباط ويأس من عظم البلاء وانتشار الفساد وكثرة اراقة الدم ؛ فاصبحوا الناس ينتقلون من منطقة الي منطقة ومن بلد الي بلد فرارا عن الظلم والاضطهاد والتهديد والخوف والقتل وضيق المعيشة والحرمان ؛ ملئت الارض حسدا وعداوة ماتت الرحمة والانسانية ضاعت العدالة والقسط دفنت الامانة ولم يبقي الا اسمها هتكت الاعراض والكرامة ؛ تحجرت القلوب واستحالت التعايش السلمي بين الناس القوي يأخذ مال الضعيف بالظلم والفاجر الفاسق يهين السيد العزيزوالوضيع يتكبر علي الشريف بالشماتة والاذلال؛ ومن ابشع وأشد أنواع الظلم عندما يتلون الانسان وفي كل لحظة يتحول من الإنسان إلى إنسان آخر ويعيش بازدواجية متلونة غير مستقرة ؛ وفي كل حالة يلبس ثوب الذي يناسب مصلحته وتستجيب رغباته لكي يرضي ذاته واطماعه وشخصيته التي لا ترضي الاِ الأنانية على حساب حياة الآخرين ؛ ومن هنا يبدأ الانسان بممارسة كافة أنواع ابشع واقبح واسوأ انواع الظلم يتطاول علي من هو دونه ويتعدي حقوق الآخرين الضعفاء ويتحول إلى إنسان وحشي همه مصلحته ؛ وهو في قرارة نفسه ونظرته الظالمة مقنعا بما يفعل وبأنه على صواب ويمشي بطريق الحق في كل ما يفعل من ظلم وكبرياء واحتقار وتجاوز الحدود والتعدي علي شرع الله فهذا يترجم بما يحمل في باطنه من فحش وفساد ؛ فمثلا الزوجة تنشز لزوجها وتعصي امره ولا تطيعه فمجرد خلاف بسيط بينهما تطلب منه الطلاق بغيربأس؛ دون اي محاولة للاصلاح فيما بينهما تسعي وراء هذا التحرر من قوانين الله وتريد ان تكسر قيود الزوجية في نظرتها السقيمة تري انها مظلومة فهي لا تريد من يأمرها وينهاها؛ والعاهرة الداعرة ترقع بكارتها فاذا اتاها خطيب تستقبله بصفة التدين بلباس الخلق والحشمة والرزانة والوقار وبحياء مصطنع كأنها بذات الدين عفيفة طاهرة ؛ والابن يعوق علي ابويه ويستعلي ويستخف لهما ويعتبرنفسه انه ند لهما ودائما تساور نفسه انه افضل منهما وينتقص قدرهما وهذا ضرب من ضروب اقبح الظلم واشنعه ؛والرجل التافه الابله الاهبل الحقير يهين علي العالم الرباني الشهم والفاجرالفاسق يتطاول علي التقي الورع الزاهد ولا ينتفي الفاظه حين يخاطبه ؛والطبيب اصبح خادما وعميلا في بعض الصيدليات التي يأخذ منهم عمولة بغية الوصول لمآرب دنيئة ومقاصد خسيسة فلما يكتب وصف ادوية يأمر المرضي الا يشترواهذه الادوية الا تلك الصيدليات وان كانوا الصيدليات الاخري ارخص منهم سعرا واجود لهم دواءا ؛ اصبحت المكاتب الحكومية ملكا للموظفين فلا تستلم منهم وثيقة بدون مقابل فصارت الرشوة امر بديهي فلا بد ان تدفع مبلغا فخما كي تقضي حاجتك وتدخل السرور والبشاشة في قلب الموظف ؛ بعض المؤسسات والشركات يتعدون علي اجرة الاجير ويظلمون في حقوقهم ورواتبهم يؤخرون دفع أجورهم لمدة طويلة قد تصل في بعض الأحيان إلى ثمانية أشهر أو أكثر ورسول الله يقول (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ) والغني يحرم مال الله علي الفقراء نزع الرحمة والرأفة في قلبه ؛ والمدرس انسلخ من قلبه الضمير والمروءة يقبض راتبه كل شهر ولا يعلم الطلاب الا قصص العشق والغرام والغزل فهو في اشد الحاجة الي من يصلح نفسه لانه مريض ومعتوه ؛ والتاجر يغش تجارته ويزيف تاريخ صلاحية السلعة ويبخس ويطفف المكيال ويبيع سلعة رديئة فلا يبالي اضرار صحة المشتري منه همه الوحيد الثراء السريع ؛ والذي يقوم بترويج وتهريب المخدرات ويفسد اخلاق الشباب صار سيد القوم يعظمونه ويبجلونه الناس ؛ والحاكم يستحل وينهب مال الامة ويحكم الرعية وهم له كارهون بالقوة والسلاح والتعذيب وينهي ويمنع عن الرعية اداء بما اوجبهم الله ويحرف الدين كما سولت له نفسه لا معقب بحكمه ويجلد ظهور من خالف امره ويسجنهم ويهجرهم ؛

(عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سيكون في آخر الزمان شرطة يغدون في غضب الله ويروحون في سخط الله فإياك أن تكون من بطانتهم)

وسد الأمر إلى غير أهله انقلبت الموازين حيث اصبح الصادق كذوبا والكاذب صدوقا والامين خائنأ وصار الخائن أمينا عادلا نزيها كريما ؛ ونطقت الرويبضة والسفهاء والسفلة وتكلم الجاهل بكل جرأة ويجادل بغير حجة ولا كتاب منير وسكت العالم وذوي الخبرة والمعرفة ؛ ومن كثرة تعتيم الحق في زمننا ربما أصبح الظالم مظلوما والمفسد مصلحا فصار الذي يقود الأمة ويمسك زمام الحكم هم السفهاء والاراذل والظالمين ؛ فصار اللئيم الاحمق التافه اسعد الناس واغناهم واشهرهم واقواهم ورفعت له رايات والناس يعظمونه ؛ فيهين ويذل اخيار الناس ويحقر اشرافهم وعقلاءهم والصالحين فلا يجد الرجل الصالح ملجأ يلجأ إليه لينجوا نفسه من الظلم فيستسلم للظلم لانه ان تكلم قتل واستباح ماله وعرضه ؛

(عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

إن أمام الدَّجَّال سنين خدَّاعة يُكَذَّب فيها الصادق ويُصَدَّق فيها الكاذب ويُخوَّن فيها الأمين ويُؤْتَمن فيها الخائن، ويتكلم فيها الرُّوَيْبِضَة قيل وما الرُّوَيْبِضَة قال الفُويسق يتكلم في أمر العامة)

انتهكت المحارم بالظلم والعدوان فاصبحت المآثم مفخرا والنصب مغنما والكذب والخدعة شطارة والتعدي رجولة وشجاعة فنجد ممن يتفاخر بأنه ظلم فلاناً وغش وخدع وكذب ؛ وتسلط الأشرار الفجار على الأخيار والاتقياء ويتباهون في المعاصي والكبائر وتفريق بين الزوج وزوجته ؛ والاعتداء علي الضعفاء واكل مال الناس بالباطل ولا احد يقدر ان يجتريء ان يمنع منه ماذا يفعل ولا حاكم يعاقبه وينكر بفعله ؛ اصبح المتهم يقتل علي التهمة والمظنة دون تحقيق الجريمة والظالمين يقتاتون بشهادة الزور يتزاحمون في ابواب المحاكم بعلم القاضي ولا ينكر ولا يردعهم ؛

بلغ عدوان وظلم اعداء الا سلام والمسلمين الحاقدين الي اعلي درجاته وذروة سنامه فانهم يفرضون الحصار بلد باكمله بالظلم والحسد والبغض ؛ يمنعون عنهم الغذاء والدواء ولا يسمحون ان يتلقوا معاونات لمن كان في قلبه رحمة ثم بعد ذلك يهاجمون علي المدنيين العزل غارات من الطائرات المقاتلة النفاذة ؛ ويقذفون القذائف المحرمة دوليا التي تفجر ماعلي الارض وباطنه وتحرق الاخضر واليابس ؛ بقصف عشوائي مكثف بلا رحمة من القواعد العسكرية من فوق رؤوسهم في بيوتهم وفي الملاجيء والمدارس والاماكن الذي يحتمون ويختبئون فيها وبات الشعب يعيش تحت سياط الصواريخ ؛ ولا يعبأون معاناتهم وكذلك يقتلون الفارين الذين نجوا من قنابلهم ويحرقون مزارعهم ويغتصبون نسائهم ويعبثون ممتلكاتهم ؛ فتسمع في كل بيت آهات وانينا وفي كل زاوية صرخة وعويلا فلا يخلوا في كل بيت الا ورجل مبتورالساقين وشاب مقطوع الذراعين وامرأة شوهها الحريق وصبي مكلوم لم يكمل الشهر الثالث ؛ وارملة مطعونة حزينة كئيبة مهمومة منكسرة القلب تبكي بحرقة ومرارة لفقدها من كان يعولها ويحميها فذاقت الويلات والوحشة ؛ وسيدة حنونة رقيقة القلب تهرول هنا وهناك تبحث فلذة كبدها الذي غاب في حضنها منذ ايام فلا يفارق الدموع في خديها ولا تخاف الرصاصات الطائشة ولا اصوات الصواريخ المخيفة ؛ وصغار ايتام ابرياء مفزوعين مرعوبين فقدوا الابوين يتضاغون بالجوع والخوف فلا يجدون من ينقذهم ويمد لهم يد العون والشفقة والحنان ؛ وفتاة كانت عفيفة محصنة آمنة في بيتها فقدت عذريتها بالقهر والاغتصاب والتعذيب فلا حولة لها ولا قوة الا الله وفتي في ريعانة الشباب مقتول تأكل جثته الوحوش والكلاب ؛ اطفال ونساء ضعيفات تجمدن في الصحراء بسبب البرد القارس فلم يجدن من يقدم لهن ما يحمين انفسهن فلقين حتفهن تحت ركام الثلوج ؛ واسرة كاملة اكلت رفاتهم القذائف وطحنتهم اضراس الدبابات وهضمتهم المدافع الثقيلة وابتلعتهم ودفنتهم تحت الارض فلم يبقي منهم احد فصاروا في عداد المفقودين ؛ وشيخ كهلا كبير السن فقد احفاده واهله وعشيرته ومن كان يقف جنبه ويرعاه فليس عنده ركن شديد يأوي به ؛ فلا يري الا مقتولا او جريحا او ملهوفا ينادي ويستغيث وينزف الدم من جروحه فاغرورق بالدموع واكتفي الا ان رفع اكف الضراعة وقال رب اني مغلوب فانتصر؛ وفاقد عقل يجري في كل جهة لا يدري اين المفر وتارة يجري ويتجه نحو المكان التي تأتي به القذائف وبهائم وانعام احرقت وهم احياء حسدا وحقدا وبغضا ؛ ومن اسروا هؤلاء الظالمين ووقع في ايديهم يزجون في السجون جماعات ويفعلون بهم بافاعيل لا يستطيع لسان مسلم بقي في قلبه حياء ان يعبر ما يفعلون بهم من القباحة والفحش والبذاءة والوقاحة ؛ ومن نجاه الله منهم باعجوبة وحيلة وخرج من هذا العذاب والجحيم هرب من ارضه مرعوبا مفزوعا حزينا كئيبا فقد طموحه وآماله وأظلمت الحياة بوجهه ؛ وترك وطنه للظالمين وركب البحر وحيدا ليبحث الي بلد آمن واليأس ملاء قلبه القنوط ولكنه غرق في البحر وصار قبره في بطن الحوت انها نهاية مؤلمة ؛

(وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ النَّار لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ هَٰذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)  

نفاق السلفيون المعاصرون

في هذا المقال لا نجرح ولا نعيب علي السلف الصالح الذي اتفق علي جميع العلماء والائمة انهم كانوا اطهر الناس دينا وخلقا وعلما وعقيدة ومنهجا وسيرة وثقافة وعقلا وسمعة ؛ ولكننا نشاهد في زمننا ممن يدعون انهم سلفيون وينتسبون الي منهجهم وخلقهم وعقيدتهم ؛ يدافعون الدين من جانب ويهملونه ويدمرونه ويفسدونه من جوانب اخري اشد اهتماما من الجانب الذي يدافعون عنه ؛ يحرمون حلق اللحية وينعقون فوق المنابر بلسان اشد حدة من حد السيف ويتهمون من حلق اللحية بالفسوق والكفر والزندقة والتشبه بالمشركين وقلة الايمان ومخالفة سنة الانبياء ؛ويعتبرون حلق اللحية كبيرة من الكبائر ولا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ؛ ومع الاسف لا يقولون كلمة حق امام من يقتل النفوس البريئة بغير حق ويستحل اعراضهم واموالهم وكرامتهم ويصادر حريتهم وانسانيتهم ؛ وايضا يشددون لبس النقاب ويجعلونه واجبا من واجبات الدين وفرضا من فروض الاسلام ؛ ولمن خالفهم يفسقونه وينزعون عنه اسم الايمان ولو في أمور بسيطة ويرمونه بالجهل ويتسرعون في اطلاق احكام مسألة التكفير ينطق لسانهم في ادق الحالات ؛ ولا ينكرون باقامة المنكرات والرقص واللهو والتبرج والاغاني الماجنة والسهرات والاختلاط مع الغواني بالاماكن المقدسة ؛ بل يدافعون باباحة سماع الاغاني ويصدرون فتاوي تحلل الاستمتاع برقص الاجانب ومشاهدة فحش حركاتهم وترنحاتهم وتمايلهم ؛ يضخمون الامور الرمزية البسيطة التي هي ليست واجبة علي المسلم ولا يبالون ولا يعظمون الامور الواجبة علي المسلم والتي امر الله بها انكارها وتشنيعها وتغييرها اما باليد او باللسان ؛ فيحرمون تارة بما احلوا وافتوا بالامس القريب ويحللون تارة أخرى بما سولت لهم انفسهم المتلونة وعقيدتهم الغير الراسخة ؛ فهم مذبذبين يمدون اياديهم من حيث تتقطر منه قطرات العسل يتبعون هوى الحاكم يلوون عنق الفتاوي الي جهة التي وجهها الحاكم يبيعون دينهم بعرض من الدنيا ؛ يتاجرون الدين ويقتاتون بما ربحوا من لسانهم الكاذب ويتخذون الدين مطية لتحقيق أغراضهم الدنيوية الدنيئة فهم افاكون دجالون يظهرون عكس ما يبطنون ؛ يهاجمون كل من خالف رأيهم وعقيدتهم ومذهبهم ويراوغون في الفتاوي ويتخذونه جسرا لقضاء حوائجهم حسب واقع الظروف التي تواجههم ارضاءا لاسيادهم ؛ فالسلفية المعاصرة يمرضون القلوب ويفسدون العقيدة ويتوهون ايمان العبد ويزيغون دينه ويعلمون العباد النفاق والجدال العقيم ؛ فلا تنتفع من مجالسهم ومصاحبتهم خيرا ومن وقع في حبائلهم يضل ويشقي ويأثم ؛ ومن لا يملك علم يحميه وثقافة تحصنه ومذهب ينجيه من مذهبهم وعقيدة سليمة تنقذه من فسادهم رموه في وادي الضلال ؛ فهم يجيدون فن استمالة القلوب الغافلة فمذهبهم مذهب سياسي محض بعيدا عن الفقه والدين والدعوة الي الله ورفع راية الاسلام؛ فمذهبهم يخدم لمصالح الحكام وسياسة الغرب العدوانية للمسلمين فهم أحد أهم عوامل تكريس الهيمنة الأمريكية على المناطق العربية والبلدان الاسلامية ويكشف الله اسرارهم يوما بعد يوم ؛ فيزرعون بايدي خفية علي الاراضي الاسلامية والعربية التواجد الأمريكي في المناطق اكثر حساسا واهتماما وانتفاعا للغرب ؛ فلذك تجد دائما المناطق المستهدفة سواء كان بحرا اوبرا او جوا الغرب واذيالهم جاثمين مستقرين بحماية السلفية المعاصرة ؛ بل يقمعون ويحاربون ويطاردون ويتهمون بالارهاب والتشدد القوى المناهضة للمصلحة الامبراطورية الأمريكية الغاشمة ؛ فاذا غارت امريكا في بلد مسلم بظلم وعدوان ونهب ممتلكاتهم وقتل ابناءهم المجاهدين البواسل ؛ يتسارعون ويتنافسون السلفية المعاصرة في المنابر يقدمون للشباب فتاوي مسح الجوارب وعدم الخروج علي الحكام وشرك القبوريين ؛ واباحة سماع الاغاني والذبيح كان اسحاق وليس اسماعيل والاعتلاء علي سطح الكعبة جائز ولا حرج فيه؛ وقتل الذمي المسلح الذي جاء ليقتل المسلمين حرام لا يجوز والتطبيع مع اسرائيل لا حرج مادام هناك مصالح تجارية وسياسية ومحاربة الارهاب وقطع دابر المجاهدين ؛ فالسلفية المعاصرة ضد بل هم اعداء المذاهب الفقهية الاربعة وينكرون من يقلدهم يسدون منافذ القلب والعقل والآذان ليصل نور العلم الا تعاليمهم ؛ وينصحون الناس بأن يأخذوا أحكامهم من الكتاب والسنة ومن المصادر وعدم احترام العلماء الربانيين وان يكونوا لا مذهبيين ؛ فكيف الاعجمي والعامة يقدرون ان يستنبطوا احكام الدين من موسوعات الاحاديث الواسعة المتنوعة وآيات الله المحكمات واخر متشابهات ؛ دون الرجوع الي الائمة والمجتهدين والراسخون في العلم فلا ادري ما ذا يقصدون السلفية المعاصرة الضالة بهذه النصيحة ؛ هل يقصدون ان لكل مسلم لا بد ان يكون عالما مجتهدا مفتيا مستقلا في مذهب خاص له ينفرد به ؛ اذاٌ فعامة الناس كلهم يرفعون راية الاجتهاد فكل صاحب راية يدعي ان قوله هو الاصح والاصوب والارجح فكل مراهق يصير فقيها ؛ فكل اغيلم او طالب علم يصبح مجتهدا مجددا في الدين يتربع عرش اهل الذكر ويتزين بحليتهم يقرأ كتب الاحاديث وحده ؛ ويصحح وينقب شراح الاحاديث الاقدمين الاوائل ويطالع التفاسير ويجادل وينافس ويناقش مع المفسرين الاجلاء ؛ ويتجول في حقول الفقه ويغرق في بحرالعلوم الشرعية التي لا يحسن الخوض فيه ولا يسأل من هو اعلم منه ؛ ويأخذ منها ترجح لديه وما صح عنه بقدر علمه ورأيه ونظرته القصيرة العليلة ويترك ما لم يتفق برأيه وعلمه وفهمه الهزيل ؛ دون مرجع أو من يصوبه أو يقيمه علي اجتهاده السقيم فيصبح الدين العوبة في ايادي الغلمان والسفهة والحمقي والجهلة ؛ يحللون ويحرمون كما يشاءون فهذا مما نشاهد في القنوات الفضائية يتجرأون الفتوي بغير علم وبعضهم يتعمدون تحريف الفتاوي حسب طلب سيدهم ؛ فكل سلفي في زمننا فهو مفتي ومجتهد فعليه ان يتصف بصفات معينة فلا بد ان يرخي لحيته الي تحت سرته ؛ ويقصر جلبابه فوق الكعبين ويغطي رأسه بالغترة ويكحل عيناه ويحمل السواك ويتعطر ؛ فإن طبقت له هذه الشروط فقد كملت فيه صفة الاجتهاد فهومن السلفية فمن حقه ان يفتي ويكفرويحرم ويحلل حسب رأيه ؛ وحتي لو كان لا يجيد قراءة كتاب الله فليس ذلك مبالغة مما اقول ولا كرها لهم انما هي الحقيقة لأن الواقع الذي نعيش في زمننا يشهد هذا ؛ فهو عالم وفقيه عند الحكام المستبدين الجائرين لانه يبريء ظلمهم ويفتي علي حسب اوامرهم ومصالحهم ؛ واخضاع الشريعة والاحكام لمطلباتهم ويعوي في كل محفل انه لا يجوز الخروج علي الحكام وان زنوا وشربوا الخمر علنا امام الملاء ؛ فلا تنطبق عليه مثل هذا صفة العالم الرباني الحقيقي ولا يستحق ان ينعتوا له اسم عالم لان العالم هو من يخشي الله (انما يخشي الله من عباده العلماء)

مادامت الشمس تدور حول الارض لا تتوقف وكذلك دسائس النفاق يدور حول الناس لا يتوقف الي ان تقوم الساعة وفي هذا الزمن وصل النفاق الي ذروة الخداع وقمة التضليل ؛ صاروا المنافقون يرمون السهام المسمومة من وراء الستار يطعنون المسلمين من وراء ظهورهم ؛ ومهما ستروا عوراتهم وتواروا وراء ظلمة الليل واكتسوا لباس الصالحين ورفعوا شعار المخلصين الخاشعين سيماهم في وجوههم من اثر النفاق ؛ فان خبايا قلوبهم تجدها مكتوبة في صفحات جبينهم واثر النفاق يتخلخل في طبائعهم وسلوكهم واسرارهم يتسرب من فلتات لسانهم ؛ يلبسون لباس التقوي كذبا وافتراءا والفاظهم الطف وانعم من الحرير ومع كل هذا الجهد الذي يبذلونه فان حروف النفاق تقرأها من عيونهم ؛ فعندهم صفات معينة وبضاعتهم لا تختلط مع بضاعة المؤمنين الصادقين لربهم ؛ ينسجون خيوط المؤامرة خفية بينهم وبين اعداء الاسلام والمسلمين يحتمون في احضان الاعداء وشبحهم يتنقل بين المسلمين ؛ خدعوا المسلمين زمنا طويلا بدموع زائفة وعبارات رنانة ويجهشون البكاء بالدعاء في العشر الاواخر من رمضان ولكنهم كانوا ذءاب في صورة عالم تقي فضحهم الله ؛ غيروا مراد الله في آيات القرءان ووجهوها بغير وجهة التي اراد الله بها وحرفوا مقاصد النزيل حسب أهواء الملوك ؛ والله ان خدعهم وخيانتهم وسحرهم يعجز عنها ابليس وجنوده ولا يقدرون ان يأتوا بمثله ولو حتي بعشره بل ابليس اخف منهم شرا وتلبيسا وتمويها وتزييفا ؛ كانوا يظهرون ما لا يبطنون ويقولون مالا يفعلون وينطقون مالا يؤمنون ويقرأون مالا يصدقون ويزعمون انهم سلفيون وحقيقة السلفية بريئة منهم ؛

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)

تعلموا النفاق من رؤوس المنافقين ويتحركون بتخطيط من اليهود ائمة النفاق اصحاب السبت الذين ترعرعوا في مهد المكروالحيل؛ ليخدعوا الجهال وان يصدواعن سبيل الحق أوهموا العامة أنهم حماة الدين والتوحيد ودعاته وينتسبون زورا انهم سلفيون وانهم سائرون على طريق السلف وعقيدتهم ومنهجهم وعدلهم ؛ ولكن الله كشف سوءاتهم ومكنون قلوبهم ورفع الغطاء عن مخابئهم وازاح الستار عن طويتهم وفضحهم بانهم سادة المنافقين ورؤوس الافاكين المفترين وأفجرالناس إلباساً للحق بالباطل فان الله يمهل ولايهمل ؛ تعلموا العلم من اجل تحريفه وارضاء فراعنة هذا العصر وتثبيت حكمهم المستبد وحماية النظم الفاسدة لوطنهم وشعبهم ودينهم ؛ ومع الاسف ان سلعتهم في سوق جهابذة العلماء الصالحين كاسدة فاسدة لا يثمنها احد فخسئوا وخسروا ونكصوا علي اعقابهم خائبين فقدوا شعبيتهم وتركوا طلابهم فلا احد يقدر ويصدق فتاواهم ؛ خانوا امانة الله ولم يؤدوا حقها ونزع الله عنهم هيبتهم وكرامتهم وعزتهم بين الناس والبسهم لباس الذل الخزي والهوان وانزلهم منازل السفلة والسفهة فهذا هو جزاء من خان الله ورسوله ؛ (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ

لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه

هكذا المؤمن التقي يتمني الموت ويغبط اهل القبور في حياتهم البرزخية حين يظهر الفساد في البر والبحر وتكثر الفتنة ويستعلي الظلم وتنتشر المعاصي وترتفع اصوات المنكرات ويستبيح دم المسلم بغير حق ؛ ومن يهمه دينه وعرضه وخلقه لا يرتاح ان يعيش في زمن ينتهك فيه حرمة العرض واصحاب المترفين يفسدون الدين والخلق ويستباحون المحرمات والمنكرات ؛ وحين يري المؤمن الصالح القبور يفضل ان يعيش في وحشة القبور وضيقه لانه يشعر ان اصحاب القبور اكثر امانا لمن يعيش علي وجه الارض ؛ فلا يجد ما يستحق العيش للبقاء من أجله فبطن الأرض خير له من ظهرها واذا انتقل الي الحياة البرزخية فكأنه يشعر انه أنقذ نفسه من مشاكل الحياه ومأسى الدنيا وشرورها ؛ سفكت الدماء بلا جرم اغتصبت النساء بلا رحمة ارتفعت اصوات الغانيات بكل حرية ورقصن في الحرم والاماكن الطاهرة فاصبحن أعظم شأناً وأرفع قدراً من المصلحين الربانيين ؛ حبس العلماء الربانييون في ظلمة السجون تحت مسميات شتى ارهابي متشدد ومآرب اخري متعددة غلب الباطل علي الحق ؛ تتابعت الفتن حتي اصبح المؤمن يخشي علي دينه فاذا نظر حواليه يجد ان ان المعاصي والكبائر احاطت به عم وطم من كل جانب ؛ فيري العاريات يتسكعن والزواني يتمرحن ويتفاخرن ويتبارين والسكاري يصرخون وينعقون من حدب وصوب واصحاب الشواذ واللواط يتبجحون في كل مكان ؛ فان من يتمسك بدينه ويتجنب الفوافحش والمعاصي اصبح لا يقدر ان يعيش بين الناس في زمننا فصار غريبا شريدا طريدا غير مرغوب فيما بينهم فيستغربون باقواله وافعاله ولباسه ؛ وكثرة الفتن صار المؤمن الموت احب اليه من الحياة لان الحياة اصبحت لا امانة فيها من كثرة القتل والغدر والغيلة والسرقة والنصب والخدع ؛ والظلم والتعدي وانعدام الامانة والصدق وعدم وفاء الوعود والتباهي بالمنكرات والاستباحة بالربا واتباع سنن الكفار والاستحلال بما حرم الله ؛ والمنافق الظالم الجاهل التافه صار مرشدا يتولي امر المسلمين وحاكم الامة يركع لمن لا دينه ويأتمر بامرهم ولا يخالف دربهم ودينهم ووسد الامر الي غير اهله ؛ وكثر العقوق والنشوز والنفور عن العبادة والخروج عن الدين وانتشر الالحاد فاصبح القبر اكثر امنا وطهرا علي ظهر الارض فصارت الحياة البرزخية افضل وانعم واطيب من الحياة الدنيوية ؛ يشعر المؤمن الغيور لدينه وعرضه اذا مات انه يستريح مما تراه عينيه من الفحشاء والمنكرات وكشف عورات النساء ومما يؤلم قلبه من ذهاب الحياء والخلق والعفة ؛ وهجران الناس عن المساجد والاختلاط والامتزاج بالكفار والانصهار بتقاليدهم والتزين بالمعاصي ؛ واكل مال الحرام فلا يبالي المرء من اين اكتسب فغايته جمع المال بأي طريقة كانت بغير ضوابط الشرع ولا يتقي الشبهات ؛ قلبه تعلق بالمال فصار عبدا له فهو نديمه بالحل والترحال ولا يفارقه ؛ ويجري ويتخبط وراء الدرهم والدينار وكأنه معتوه مخبول ممسوس منزوع العقل ويتمني طول الامل وان يعمر طويلا ؛ فيظل ساخطا مهموما مغموما مهووسا لا يشبع من كنوز الدنيا فاذا شهد الرجل الصالح من امثال هؤلاء ومر في القبور يقول لاهل القبور ليتني مكانكم ؛ بلغت الفتنة ذروتها ظهر اقوام يلبسون لباس العلماء الاجلاء وقلوبهم مظلمة خاوية من العلم منافقون يبارزون الله بالمعاصي ؛ يحرفون آيات الله من اجل حفنة قليلة من الدراهم يغترفون من خزائن الملوك الظلمة يسقون الظامئين بعقيدة فاسدة ويفتون احكام الله بالجهل وبغير علم يضلون الناس وقد سببت هذه الفتاوي تفكك العلاقات الإجتماعية وكثرة حالات الطلاق بين الأزواج وتدمير العائلات وتشريد الابناء ؛ فتاوي تشعل نار الفتن والتناحر وتدفع للمسلمين نحو الانقسام الي التحزب والتشيع والتفرق والتشرذم والتقاتل وقتل القيم والانحلال الاخلاقي ؛ يجادلون بالسنة حداد باعلاء كلمة بالباطل وينصرون المفسدين في الارض يحاربون الاسلام حتي لا يبقي له باقية ؛ يحملون راية الاعداء ولكنهم يتسترون باسم الدين وشعائر الاسلام وتحت مظلة مكافحة الارهارب فهم اشد عداوة وشرا من اعداء المسلمين ؛ ومن كان من اهل الورع صادقا مع ربه حريصا لدينه لا يرضي تلبيس الباطل بالحق يدافع كرامة وشرف امة الاسلام لا يقدر ان يعيش مع هؤلاء ويشعرانه غريب من بينهم ؛ لانه يخشي علي نفسه الانحراف كما انحرفوا هؤلاء وكذلك يخاف ذهاب دينه من كثرة امواج الفتن التي تحيط به ؛ فيفضل الموت علي الحياة فيتمني أن يموت في اقرب وقت كي ينجوا من هذا الفساد فيستريح في قبره ويلقي الله علي احسن حال وقلب سليم من البدع والفتن والشرك ؛

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي فكسروا قسيكم وقطعوا أوتاركم واضربوا سيوفكم الحجارة فإن دخل على أحدكم فليكن كخير ابني آدم)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم. وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها وتجيء الفتنة فيرقق بعضها بعضاً وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر)

فكذلك يكره الرجل الصالح في زمننا بقاءه في الدنيا لانه يري كثرة ذهاب الاخيار والصالحين وبقاء شرار الناس ومن لا يثق بدينه وايمانه فيصبح وحيدا يستوحش بفقدان الصالحين ؛ فحين ينظر حوله فلا يري الا الاراذل والحثالي والمنافق وقاطع الرحم وآكل الربا ومن يأكل اموال الناس بالباطل وباساليب ملتوية فلا يبقي علي وجه الارض الا الاشرار ؛ والعجاجة والحفالة والمفسد الذين يعيثون في الارض الفساد ومن لا خير فيه ومن يتلون بلون مصالحه الذاتية فيصبح وليا للكافرين وعدوا للمؤمنين ؛ ومن اضلته الشهوات وحب الدنيا وإيثارها على الآخرة ومن يبيع بدينه بعرض من الدنيا الذين ليس عندهم خلق ولا ذمة ولا عهد ولا امانة ؛ فيظل حائرا فلا يدري اين يذهب واين المخرج واين المفر واين المستقر ومن يخالل ومن يستأمن بدينه وعرضه لان امواج الفتن العاتية تلاطمت فتنجرف كل من اختلط مع هؤلاء فيكره بقاءه في الدنيا ؛ فيصبح وحيدا لا صحبة طيبة ولا انيس من اهل التقوي ولا رفيق له فيعتزل عن الاراذل والفساق والفجار فيلزم بيته مخافة الانجرار الي الفتن ؛ يفر من اجل دينه فيضيق صدره فيتمني ان يفارق الدنيا ويلتقي ويلحق احبته الذين فقدهم لانه يشعر ان بقاءه في الدنيا ليس فيها اي مصلحة اخروية ؛ فلا يدري ماذا سيحدث له اذا بقي في الفتن فيشهد كل يوم ان الناس يتساقطون في فخاخ الفتن وينزلقون وراء الهوى وينقادون لأهواء الحياة وزينتها ويتسابقون بها وما لَهم فِي الْآخرة من خلاق فاذا مر في القبور يقول لاصحاب القبور ليتني مكانكم ؛

 (قالَ رسولُ اللَّه: يُوشِك أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَال المُسْلِم غَنَمٌ يَتبعُ بهَا شَعَفَ الجِبَال وموَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدينِهِ مِنَ الفِتَنِ)

(قال رسول الله صلي الله عليه وسلم – ستكونُ فتن القاعدُ فيها خير من القائِم والقائمُ فيها خيرٌ من الماشي والماشي فيها خيرٌ من الساعي مَنْ يُشْرفْ لها تَسْتَشْرِفْه فمن وجد فيها مَلْجأ أو مَعَاذاً فَلْيَعُدْ به)

امتلاءت الاسواق نساء كاسيات عاريات متسكعات مترنحات في الطرق والشوارع في صورة مخزية يحركن اجسادهن وتضطرب الياتهن ؛ بلا حياء يختلطن ويزاحمن ويسابقن الرجال في جميع مرافق الحياة العامة والخاصة ويحتكن مع الرجال ويسقين رحيق مذاق حديثهن ؛ ويقتحِمن  في وظائف الرجال والمناصب وتركن بيوتهن حتى صرن يضيقن على الرجال الخناق فاصبحوا الشباب يعانون البطالة ؛ وبعضهن يعن ازواجهن علي التجارة وينافسن الرجال ويرفعن اصواتهن في البيع والشراء والمزاد العلني ويساومن مع الرجال في البضائع ؛ يتمايلن ويتلاصقن مع الزبائن بلا خجل ويغترون الرجال بحركاتهن ؛ ويبدين زينتهن لترويج تجارتهن وبابتسامات مغرية كي لا تبور ولا تفسد بضاعتهن وان يكتسبن ويربحن باثمان خيالية ؛

(قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ قَالَ:”مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ من النساء 

 وبعضهن يتشابهن بالرجال باللباس والمشي والمخاطبة ويغيرن خلق الله ويتبجحن في كل محفل متبرجات يفوح منهن رائحة العطر يقبلن بصورة شيطان ويدبرن بصورة شيطان ؛ ثم يستشرفها الشيطان وتلتفت اليهن الانظار وكل الابصار تتجه نحوهن يغرين الرجال بمفاتنهن وسفورهن يتهاوين مهاوي الرذيلة ويفسدن قلوب الرجال ؛ ويهيجن الشهوات النائمة ويصفقن ويرقصن على أنغام واوتار الفساد واوقعن في المجتمع حوادث إجرامية عديدة فيما حرم الله إثارة الغرائز وثوران الشهوة ويلوثن العفة والحشمة ؛ ويصتبغن بعوامل الجذب والتصنع الزائف وتغيير المظهر الخارجي والافتنان بالمساحيق والمكياجات كأنهن سلعة بوارة كاسدة وصاحبها يزينها ويروجها بالغش والزيف يبحث لمن يشتري منه بثمن بخس دراهم معدودة اذا فسدت السلعة قل سعرها ؛

(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)

(قال صلى الله عليه وسلم قال: إن الدنيا حلوة خَضِرة، وإن الله مُسْتخْلِفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)

ومن كان يحمل في قلبه ايمانا قويا وعقيدة راسخة وثباتا في دينه وخوفا من ربه ومتمسكا بطاعة ربه وحبل الصلة بينه وبين خالقه قوي متين ؛ ويرجوا من الله النجاة من الفواحش ما ظهر منها وما بطن وتلوم نفسه اذا قصر وافرط ؛ لا يقدر ان يتحمل ويشاهد مثل هذه المظاهر الفاحش الخبيث الدنيء ولا ترتاح نفسه النقية بهذه الافعال الشنيعة المخلة للخلق والعفة ؛ فيقول الموت اولي وافضل من هذه الحياة فيغبط اصحاب القبور فيقول لهم ليتني مكانكم نفسه تتوق وتتشوق اليهم ؛ فالنفس الطاهرة تكره وتنكر اذا فسدت الحياة وتشعر انها يتحسن حالها اذا فارقت الحياة وانقلت الي جوار ربها ؛ وتتنعم وترتاح بالموت اكثر من الحياة اذا فسد الزمان واهله فتستأنس الارواح المطمئة الطاهرة التي تعيش في القبور وتتمني لقاءهم والعيش معهم ؛ فكل نفس طاهرة نقية مستقيمة لا ترضي عبث الحياة والانحراف عن الجادة ولا تكون عونا للشيطان حتي لا تكون سببا لهلاك الآخرين ؛ وسبب الفساد في زماننا في الحياة هو انقراض وفقدان المصلحين الذين يصلحون ما افسدوا غيرهم ولكن اين هؤلاء الذين يطهرون الأرض من الفساد والظلم والإجرام ؛ من شدة نكد الحياة وكثرة الفساد والمنكرات وتلاطمت امواج الفواحش وارتفع صوت دعاة اهل الفساد وحماته ومروجوه ومؤيدوه كرهوا الحياة وفضلوا الموت علي الحياة ولم يبقي منهم الا قليل فصاروا غرباء بين الناس ؛

(قال صلي الله عليه وسلم : بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء، قيل يا رسول الله من الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس وفي لفظ يصلحون ما أفسد الناس من سنتي، وفي لفظ: يحيون ما أمات الناس من سنتي)