حقيقة الحرية ومفهومها الاسلامي

يولد الانسان حراً طليقاً من عبودية العباد ولكنه لا يتحرر من عبودية المعبود وأعطي الله كل عبد إرادة ومشيئة واختياراً فهو ليس مجبوراً ولا مكرهاً في افعاله واقواله ولكنه لا يتصرف كما يشاء قوانين الله فوق حريته ؛ ولا يشعر قلب العبد لذة الحرية ولا يتمتع بطعم ثمارها الحلو إلا لما يكون عبداً عبيداً لخالقه فلو كان العبد مكرهاً مجبراً لا خيار ولا حرية ؛ فإنّله  الله لا يؤاخذه على أفعاله واقواله ولكن هذه الحرية محددة بحدود الذي حدده الله فاِن  فالحرية في الإسلام مقيدة بقيود الاهية ولا يجوز للعبد التعدي عنها ؛ فإذا كانت الحرية تتخبط بلا قانون ولا حدود ولا تفرق بين الحلال والحرام ما كانت عبودية الله لها معنى فتقييد الحرية هي التي تبين بين المعصية والطاعة لله فلا بد للعبد ان يمتثل بما امره الله ونهاه عنه ؛ فالحرية المطلقة لا يمتلكها الا الله فهو الذي لا يسأل عما يفعل ويفعل ما يشاء ولا معقب لإمره ولا غالب لإمره ولا يحاسبه احد؛ فالعبد ليس هو الذي يختار الحرية علي هواه انما ينقاد بما حدده الله من الحرية فلا حرية في مخالفة امر والاستباحة بالمحرمات ؛ فليس هناك حريات متنوعة حرية يختارها العبد في منظوره كما يشاء وحرية يأمرنا الله ويقيدها فهذا خطأ فالحرية هي امر من اوامر الله هو الذي يأمر وهو الذي ينهي ؛ وتلك الحرية لصالح العباد ولم يخلق الله عباده هملاً بلا رقابة وتركهم يفعلون ما يشاءون ويتخذون قرار شئونهم كما يريدون انما حدد لهم حريتهم وكيف يعيشون ؛ فلا لإحد يحق له ان يتعالى عن شرع الله وقيوده فيرى أنّ القرار والاختيار بيده فيما يتعلق بأمر دينه فاذا اراد ان ينحرف عن دينه انحرف متي اراد ؛ او اراد ان يستحل حراماً بمحض ارادته استحلها حسب قراره ورغبته فالعبد ملزم ان يمتثل تحت لواء الدين ؛ ويعمل بما تمليه عليه إرادة الله وقوانينه طوعاً واستسلاما فلا يجد فيها حرجا ولا ضيقا فهو يدور في فلك شرع الله فلا يخرج من هذه الدائرة اطلاقاً ؛ وليس له الحق ان يتصرف بإرادته الشخصيّة ورغباته وميوله واوامر شهوته ونداءات هواه وقناعاته الخاصة ولا يستنجد بالقوانين البشرية ؛ فمن اعتقد ان الحرية كالهواء الطلق لا يحجزها حاجز من غير ضوابط ولا قيود من الله فقد اساء معني الحرية ؛ فان الامر والحكم بيد الله فلا بد لكل عبد ان يخضع بقدر الحرية التي وهبه الله له فلا يتجاوز بحده فيلتزم بتطبيق ما أمره الله به فلا يخالف امر الله ؛ فهذه هي الحرية الصحيحية التي تحافظ علي نفسه وماله وعرضه وكرامته والاحتكاك مع الآخرين وتصلح له دينه ودنياه وآخرته ؛  ومن المؤسف والغريب ان بعض الناس يتحرر من عبودية المعبود كما هو في ظنه واعتقاده ويعصي ربه ويكون عبداً ذليلاً لمخلوقات الخالق ؛ فيدعي انه يعيش في حرية وسعادة ولكنه في الحقيقة انه يعيش في عبودية اكثر مذلة بعبودية خالقه وحرية اقل بكثير من الحرية التي اعطاه الله ؛ فمنهم من يعبد مخلوقاً ضعيفاً من امثاله من الجن والانس والحجر والشمس والقمر والنجوم والشجر وبعض الحيوانات والكواكب؛ فيكون لهم عبداً مملوكاً مهيناً واذا حاورت معه يفتخر بأنه يتمتع بحرية واسعة لا حد لها ولا قيد لأن هؤلاء الآلهة لا يحرمون عنه حراماً فيفعل ما يشاء فهو حر قدر عقله وعقيدته ؛ فيشعر ان الحرية التي اعطاه خالقه انها ضيقة ومحدودة ومقيدة بقيود فيريد ان يتحرر منها فيبحث حرية بلا قيود فيعبد هواه وماتأمرنفسه الامارة بالسوء؛

فعندما يكون الإنسان موزعاً على آلهةً متعددة وتتجاذبه افكاراً عقدية متنوعة وتأتيه اوامر ونواهي من قبل سلطات وحكام مختلفة فإنه لا يكون حراً بل انه يعيش في حالة اضطراب وتردد وعدم استقرار ويفقد الاختيار والعزم ولا يقدر الجزم بامره ؛

ضرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا ۖ هَلْ يَسْتَوُونَ ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ۖ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ۙ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِي

واتباع الشهوات واستجابة هوي النفس وترك أوامر االله ورسوله وان يذوق الانسان طعم كل رذيلة ؛ في الظاهر انه  يشعر ارتياح مؤقت وشبح الحرية تتحرك امامه وريحها تحوم حول ارنبة انفه ؛ ويحس ذوق طعم الحرية من طرف لسانه ولكن في الحقيقة كلها خيال واوهام واسراب كاذب لإنها حرية مبنية علي معصية الله ؛ ومن المؤكد التي لا غبار فيها ولا شك ان الذي لا يسلم زمام نفسه لخالقه الذي خلقه فلا بد ان يسلمها لمخلوق مثله او اقل منه درجة ؛ ولكن من ذاق طعم عبودية الله يشعر بحرية اكثر استمتاعا من حرية الشهوة والهوي وتعلقت روحه بحياة الملأ الأعلي ؛ ويتعفف ويستعلي كل ماهو دون ذلك لإن الله خلقنا لعبادته ولم يخلقنا لتشبع النفس بالشهوات؛ وكمال الحرية بالشهوات هذا في الجنة وليست في الدنيا لإن الدنيا دار الابتلاء والتمحيص واخسر الناس من ظن ان الحرية موجودة في معصية الله ؛ واتباع الشهوات واستجابة اوامر النفس والشيطان فحرية الدنيا محدودة ومقيدة بشروط الامر والنهي اما حرية الجنة فهي مطلقة وبلا قيد فهل يستويان مثلاً بينهما ؛

 (فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين)

ومن الناس من يعيش في تقلب مستمر دون توقف وازدواجية بين شرع الله وبين ما تهوي نفسه وهواه ؛ فاِن وجد في حكم الله ما يرتاح به ضميره وتحب نفسه ووجد فيه سعة ورحمة وحرية استقر ؛ واتبع امر الله بغير اِيمان ولا رضا ولكنه لو شعر ضيق في الحرية وضغط في حكم الله حسب رؤيته القصيرة وقلة عقله وضعف اِيمانه ؛ انقلب واتبع هواه فتجده دائما يتحول من حالة الي اخري يتنقل ولا يستقر ولا يرتاح دائما في حيرة وذبذبة واضطراب وتردد بحثا عن حرية تتلذذ بها نفسه ؛ همه دائما في الحالة التي يجد فيها الحرية التي تعجبه نفسه وهواه وان كانت مخالفا شرع الله فهو عبد لهواه يرضي هواه ولا يرضي ربه ؛ ينفق ماله وطاقته ووقته في سبيل الوصول الي حرية موهومة لا يهمه الثمن ولا صلاح دينه ولا آخرته ؛ يمسي كافراً ويصبح مؤمناً ويمسي مؤمنا ويصبح كافراً يجري وراء شبح حرية موهومة ولو تخرجه عن الدين ؛ فيعذب نفسه ما يتكسب منها الا ذلاً وخسارةً وشراً فيبحث الحرية من ذل العبودية لغير الله فتراه عبداً مملوكا للشهوات البهيمية الحرة ؛ وتحت وطأة سلطة الملذات الماجنة فتصيب نفسه الانْفِلات من كلِّ القيود الربانية وعبودية خالقه ؛ ويتحَرر من قيود الانسانية واوامرالله ونواهيه  والضَّوابط والقيم والأخلاق والفضيلة وعزة النفس والتَّقاليدِ والأعراف ؛ وانزلق في اعماق مهاوي الفتن وحضيض المنكرات وقعورالفساد واَدرَاك الفجور والانحراف ؛ ومن شدة غياب عقله وسفالته وغباوته وفقره علي الثقافة الاسلامية يطير فرحا ومرحا ويفتخر بما هو فيه من المنكرات ومع الاسف يشعر بالراحة والاستقرار والحرية ؛ فأي حرية هذه هذا مما يدل علي قلة ايمانه وسفاهة عقله ودناءته وطموس بصيرته وذهاب حياءه وخلقه وعفته ؛ لإن القلب السليم اذا توجه الي الله لا يلتفت غير الله فالقلب اذا تحرر من عبودية غير الله لا يجد الحرية الافي عبودية خالقه ولايرتاح الا التذلل بين يدي الله ؛

ان حقيقة الحرية التي يستمتع بها المسلم هي ليست الحرية التي تأمرنا المبالغة للشهواتِ المسعورة التي تتجول بلا قيود ولا ردع ولا حدود ؛ انما حقيقة الحرية الصحيحة هي الانعتاق والنجاة من قيود الرذائل والفجور وبراثن الفواحش ومن قيودِ الخلاعة والانحلال ؛ وان يتحرر الانسان من ذل عبودية العباد والاهواء والشياطين حتي يشعر ذوق حرية عبودية رب العباد والانقياد بامره ؛ ومهما بحث الانسان الحرية فيما يغضب الله فلا يجني منها الا ذلة وقهر النفس وتعذيب الضمير والانحطاط في اعين الناس وهبوط الاخلاق ؛ واللهث وراء اوامر النفس الامارة بالسوء والشهوة النهمة التي لا تشبع وارضاء الهوي واستجابة دعوة النزوات المنحرفة ؛ وتنكيس وتطميس فطرة الله التي فطر الناس عليها والخروج عن الحدود الانسانية وعرف البشرية ؛ ان البشرية في عصرنا الحاضر المتحضر انغمست في اللهو والخنا والملاهي والفجور وانغرقوا في جميع انواع الشهوات؛ وتمرغوا في حرية الغرب الشيطانية اللااخلاقية وتحلوا وتزينوا بطبائعهم حين من الدهروزحفوا وراء نساءهم الخبيثات العاهرات وتسابقوا الاقتداء بهن حتي لعبن عقولهم وكرامتهم ؛ وظهر الفساد في البر والبحر وأنتشرت الرذيلة في اهل الحاضرة والبادية وانجرفوا خلف فجار وفساق واوغاد وارذال الغرب ؛ وانحدروا الي قاع الفساد والرذائل وانسلخوا عن دينهم بحثا عن الحرية والسعادة فهل بلغوا الي الثمرات المرجوة من هذه الحرية وهل وجدوا ضالتهم المفقودة ؛ لم يجنوا من هذه الحرية الا الهرج والمرج والضيق والضنك والضلال والجرائم والضياع والفساد والذلة والعار والامراض الفتاكة المستعصية والتشبه بالبهاءم ؛ والتدهور الاخلاقي وفقدان الامن ونزع لباس الاسلام والالحاد وزوال الحشمة والغيرة والعهر والشذوذ والجهل وتغيير خلق الله والانبطاح بالحداثة ؛ وزنا المحارم والاغتصاب بلا خوف ولا حياء ولا خجل وهم في هذه الحالة المخزية المهينة يظنون انهم في ارقي درجات الحرية والسعادة ؛ وآأسفاه وهل اصبح الضلال والضياع ومخالفة شرع الله واعوجاج الفطرة والبصيرة حرية ؛ ويا حسرتاه هل التمرغ في وحل الانحراف واغتيال الضمير البريء الطاهر وقتل المودة والمروءة صارت قمة السعادة؛ وهل نبذ الدين وراء الظهور هي الحضارة الذي كنا نأمل والتقدم والعزة والرفعة الذي كنا ننتظر اصبحنا اجسام بلا عقول صرنا نجري وراء حرية دنيئة خسيسة ولو دخلت جحر ضب لدخلنا معها ؛ وهكذا حينما يموت الضمير تموت معهُ عزة الفضيلة والعفة التي تطهر كرامة الانسان والخلق التي تنزه شرف المرء ويصبح الإنسان مجرد هيكل جامد فارغ اجوف ؛ يلاحق الشهوات اينما وجدها عكف في احضانها ويقضي جل اوقاته بالغو واللهو والرفث ويسجد لاهواءه وتلك هي حريته ؛ لا يحمل في جوفه مثقال ذرة من قيم الحياة والأخلاق والحياء والإنسانية والرحمة والمروءة همه اشباع بطنه وفرجه يشد الرحال الي كل فج عميق ليسكت صرخة شهوته المسعورة ؛ فيصبح الإنسان حينئذ غيرمفهوم بما يريد وبما ينوي والي اين يسير مبهم التصرف مزدوج الميول غير آبه ما يقول وما يفعل لا فرق بينه وبين البهيمة ؛ بحيث يصبح همهُ الوحيد والأكبر حرية بلا قيود وشهوة بلا رادع وسعادة بلا حدود يريد ان يتصرف كما يشاء يشبع هوي نفسه بأي ثمن ؛ وتتضايق نفسه بقيود شرع الله يريد ان يلهو ويمرح ويسرح بلا قيد ولا زجر كأنه خلقه الله بالمتعة والشهوة وعبادة الغواني الفاجرات ؛ يصير مجرد خادم لرغباتهِ ونزواته ومصالحه الذاتية فهذه هي غايته فصارت شعار الحرية بالنسبة له الوصول إلى مآربه الشخصية مهما كان الثمن ولو علي حساب غيره ؛ فتلك حرية عمياء فاقد الاحساس تنزلق وتسقط في كل مستنقع آسن نتن وفي اودية الغي والانحراف وتركع لكل شهوة مهما كانت قذارتها وفشاحتها وقباحتها ؛ وتقتحم الحواجز والحصون المنيعة التي منع الله ان يتعدي بها الانسان وتقذر وتنجس نقاء الفطرة السليمة وتكدر صفاءها ؛ وتشوش صورتها وتخرجها عن مسارها الصحيح وصوابها المعتدل ؛ وتتجرد لباس الدين والاخلاق والحياء والعفة وتنحدر في آبار الضلال والظلام والهلاك سعيا خلف سعادة موهومة تدنس كرامة الانسان وعزته ورقيه ؛ ويصبح الانسان في هذه الحالة جثة هامدة تنخر في جوفه جراثيم الفساد الفتاكة لأنه فقد المناعة الالاهية ؛ التي تحيي النفوس الميتة وتشفي الضمائر السقيمة التائهة وتنير القلوب المظلمة وتؤدب الاخلاق المنحرفة وتؤنب المروءة الهائمة السائمة الضائعة التي لا تعرف الي اين تتجه ؛ وتزجر النفوس الضالة الآمرة بالسوء وتداوي الفطرة العليلة التي خرجت عن مسارها الصحيح وتعيد روح الايمان الي هذا الانسان التائه ؛ تسقيه كأس التوبة والانابة الي الله وتشحن في جوفه نورالايمان الذي لم يذقها فترة الضياع والغفلة ؛ وتغذيه غذاء الروح ومتي ذاق طعمها وتلذذ حلاوتها ندم علي ماضيه التي قضاها بالتفريط والتقصير والاسراف والعصيان ؛ وتوقد له سراج ماهية حقيقة الحرية وضوابطها وتفتح له صفحة بيضاء جديدة وتقول له ؛ ان الحرية هي التزام بشرع الله وليست انفلاتًا وفوضى واتباع الهوي وان يميز الانسان بين الحرية والانغماس بالحرام واستجابة اوامر النفس ورغباتها فمفهوم الحرية هي ان يطيع الانسان باوامر الله ونواهيه ؛ وان لا يخرج العبد في حدود ودائرة قيود شرع الله فاِنَ الله قد رفع عن الإنسان الأغلال والاستبداد والتكاليف الشاقة والقيود التي تفرضها الكهنة والكفرة والحكام الظلمة علي عباد الله ؛ فالله ارفأ وارحم منهم ولكن بعض العباد السفلة المنحرفين عن الحق يرون ان حرية الكفرة ارحم من حرية ربهم ؛ فيخضعون للكفرة والظلمة لإنهم يبيحون لهم ما تهوي انفسهم ويجيزون لهم الشهوة المطلقة وما تحب غراءزهم ونزواتهم وان يتمتعوا كيفما يشاءون فيكونون عبيداً للعبيد ؛ وكذلك يصيرالانسان اسيراً للشهوة هي التي تحكمه وتأمره وتنهاه وتفرحه وهي التي تسكن باله وتريحه وهي التي تخفف عنه المه وتذهب عنه الوجع والخوف ؛ فتجد من يعبد النساء ومنهم يعبد المسكرات ومنهم من يعبد الدنيا وزخارفها ومنهم من يعبد المال فينزعون عنه الحرية ويسلبون عنه الارادة والاختيار؛ ليته كان يشعر هذا فانه يدعي انه حراً طليقاً ولكن مع الاسف انه عبداً لشهوته عبداً لرغباته عبداً لاطماعه وجشعه ؛ فهذه هي حرية الحضارة الحديثة في زمننا حرية الفساد حرية التباهي بالانحراف والانزلاق في مهاوي الفواحش ؛ حرية التلطخ بكل اوساخ ونجاسات الرذيلة حرية الافتخار بالدعارة واللواط والشواذ والعهر حرية الاصطباغ بشتي الوان الانحلال والخلاعة والتشبه بطبائع الكفار وعاداتهم وتقاليدهم واتباع ملتهم؛ فما احوج الناس في عصرنا ان يفهموا حقيقة الحرية لإنهم بحثوها من كهوف الشياطين واحضان الشهوات وحقول الرذائل وملاهي الكفار ونوادي الشواذ واوطان الملاحدة ؛ حتي سقطوا في فخاخ ابليس فاوردهم في اودية المهالك فصاروا فريسة لكل رذيلة والشهوات المستعصية فاصبحوا اساري في سجون مردة الشياطين ؛

ومن الناس من يتهكم ويسخر بالحرية التي وهبه الله له كأنها لا تناسبه وتسجنه وتخنقه ولا تستجيب له رغباته وميولاته ونزواته ولا تلبي فطرته المنحرفة ؛ ويلتجيء الي حرية الغرب العبثية المنحطة التي يجد فيها كل الوان الشهوات والملذات التي يعشق بها ؛ فينصهر مع هذه الحرية واهلها التي تحرره من قيود وضوابط قوانين شرع الله فيغرق في محيط لا يجيد السباحة في اعماقه ؛ فتتشوه صورته وخلقه وتقاليده وتتمزق جذور اصله وهويته وتهتك عرضه وكرامته وتنهدم كيانه واصالته ونسبه وعزته ؛ وتتغير ثقافته وسلوكه وقيمه وثوابته ومعتقداته ويتبرأ من حضارته وموروثاته وتاريخه وينسجم مع قوم لعنهم الله في الدنيا والآخرة ؛ فأين الحرية التي يدعي ويفتخر بها فانه يعيش في رق وعبودية من هو دونه وسلم زمام نفسه لهم وحرموا له الاختيار ؛ ويقتدي بفواحشهم وانحرافاتهم ويقلد بكل حركاتهم وسكناتهم فهم الذين يقودونه حيثما وكيفما شاؤوا فاعلم انك حين تعتقد انك تحررت من عبودية الله فانك في ذل عبودية غير الله؛ الإنسان سيد ما خلقه الله واكرمه الله من جميع مخلوقاته فكيف يرضي ان يكون عبداً لغير خالقه فلا يجوز للإنسان أن يستعبده من هو دونه فالمخلوق مهما أوتي من الثقافة والفراسة والعلم والعقل لا يعلم ما يضره وما ينفعه ؛ فكيف يرسم لغيره ضوابط الحرية ومنهج الحياة ويلزمه بطريقة سلوكه وافكاره واعتقاده وهل هو الطف وارحم من خالقه؛

(قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا)

تقييد وتحديد شرع الله للحرية هي الحرية بذاتها فاذا ترك الله الانسان يعمل ويفعل ويأكل ويشرب ما يشاء وينكح لمن يشاء من النساء فما هوالفرق بينه وبين البهائم وكيف يتعايش مع الآخرين؛ فالحرية التي يحدد الله لعباده تحفظ النفس والعرض والامن والمال والعقل والنسب والنسل وتحارب الفواحش وتكبح جماح الشهوة المسعورة وتهذب الغريزة وتؤنب الضمير ؛ وتؤدب الاخلاق ولا ترضي عنك المشي بالكبر والمرح ورفع الصوت بلا حاجة وتستر العورة وتحدد الاسراف والتبذير فكلوا واشربوا ولا تسرفوا ؛ وتحصن الفرج وتحمي الضعيف وتزجر القوي وتحرم الغش وبخس اشياء الناس وتطفيف المكيال وتأمر الفضيلة وتمنع الظلم وتحرم الخبائث والمحرمات ؛ وتحفظ اموال اليتامي والسفهاء ولا ترضي اكل اموال الناس بالباطل وتعطي المرأة الضعيفة حقها ولا ترضي التعدي والتجاوز لحقوق الآخرين وتقيم الحد والقصاص لمن خالف امر الله ونهييه ؛ وتطهر اللسان من الغيبة والنميمة والشتم وافشاء السر وفحش القول والبصر من النظرة المحرمة والسمع من التجسس والتنصت والفرج الا يجامع الا ما حدده الله من النساء ؛

(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)

(وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ)

(وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ )      

Leave a comment