الصراع بين الانسان والشيطان

صراع ابدي بدأ مع الحياة وسينتهي مع الحياة ولا يتوقف ولو لحظة من الزمن ما دام الروح يسري في جسد الانسان فهو ابتلاء وفتنة ابتلاه الله النفس البشرية ؛ فهذه هي الغاية التي اراد  الله من أجلها خلق الانسان ليميز الخبيث من الطيب فبوجوده يتميز عباد الله المُخلصين والعاصين ؛ فلا تجد نفس لا يراودها  الشيطان فهو محور التمحيص والتنقيح والتنقية فان وجوده من لوازم التكليف والامتحان بين العبد وربه ؛ وبينه وبين الانسان صراع قديم وعداوة وحسد وكبر وانتقام واستعلاء (أَنا خير منه خلقتني مِن نار وخلقته مِن طين) ؛ ومن شدة هذه العداوة طلب الشيطان من ربه ان يستمر هذا الصراع حتي الي يوم البعث شاهد على مدي قوة هذا الحسد والحقد أنه تمني ان سيبقى بعد آدم عليه السلام إلى آخر من سيعيش في الدنيا لكي يتمكن إغواء من في الارض جميعا ؛ فقال (رب فانظرني الي يوم يبعثون) ؛ فبقاء إبليس يدل علي استمرارية المعصية والغواية باقية ما دام هو يعيش مع الانسان لانه قال لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين ؛ ومن اجل هذا الحقد والحسد اختار الشيطان اللعنة والنار وأن يتحدى أمرالله بعد ان كان من المقربين الي الله؛ ليحسد الانسان تلك المكانة والتكريم التي اعطاه الله من غير الخلائق الاخري من يومها بدأت المعركة الحاسمة ؛ ولم يترك الشيطان سبيلا الا وسلك بها ليفسد ويضل الانسان وفق طبيعة الشر التي تمكنت منه؛ وتسلح بجميع الاسلحة الي تعينه الاغواء والاغراء والتزيين والمكائدِ والمصائد والتسويف والمخادعة والغضب والاسراف؛ والحزن والنسيان وتحريك الشهوة والعجب فهو دائما يتلصص ويتسلل موطن ضعف الانسان فيأتيه من هذا الباب ؛ فهو بارع في مداخل النفس فلا يترك مدخلا الا ورمي بها سهامه فلا ينجوا في معركته الا المخلصين المقربين الي الله؛

(فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)

(قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً)

فهو يجاهد باقصي جهده ويحاول بكل الحيل ان يوقع الانسان علي الكبائر ويشاركوا معه في دخول النار (إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) ؛ ومع انه لا يستهين اي خطيئة مهما كانت حجمها ولا يأبه شكلها فهو همه الوحيد أن يعصي الانسان وحسب أيّاً ما كانت تلك المعصية فلا ييأس ولا يمل ولا يفتر ولا يكل ولا يقنط ولا يكسل ولا يعجز ولا يتوقف ؛ انما يحاول جميع أبواب الغواية والتزيين والتزييف وما أن وجد باب معصيةٍ أغلِقَ في وجهه انقلب الي بابٍ آخر فلا يتوقف عن الوسوسة حتي يقترف الانسان المعصية اياً كانت نوعها ؛ فاذا وجد في حصن الانسان بغير حماية وبلا رقابة هشا ضعيفا وحراسه غافلين مهملين وجد ضالته واقتحم الحصن وعبث وعاث فيها ؛ وتربع عرش الحصن فيروج فيها بضاعته فيقود صاحبه كما يقاد الحمير كيفما وحيثما شاء ويشبعه بما تميل وتحب نفسه فيتغلب عليه ويهزمه شر الهزيمة ؛ وتبدأ معركته من حين ان يخرج الانسان من رحم امه وتستمر حتي ان يفارق الحياة وخلال هذه الفترة لا يهدأ باله ولا ترتاح نفسه ؛ حتي يوقع الانسان بالرذائل والفواحش والكفر والشرك ويغرقه في بحر الشهوات والملذات والانحرافات ويصد عنه باب التوبة ولا يتركه حتي يتأكد انه من اصحاب السعير ؛

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه)

فالشيطان كثيرا يتردد ويحوم في قلوب الجهلة الذين لا يمتلكون سلاح العلم يشن لهم غارات متعددة وهجوم متنوعة من كل الجهات ؛ فيغرقهم امواج من التلبيسات والتدليسات حتي يشتبه  لهم الحق والباطل والخطأ والصواب فيقعون في شراكه من دون جهد كبير منه ؛ فيأتيهم عن طريق الوعظ والنصح فيرسم لهم طريقا سهلا مريحا ترتاح نفوسهم فينزلقون في فخاخه دون ان يشعروا عداوته وخداعه وتمويهه ؛ اذا جاءتهم موعظة من ربهم غير لهم مسار آيات الله وفسر لهم حسب تفسيره فيصدقونه فيتبعونه ؛ يأمرهم بالزهد فيصور لهم ان الدين هو عبادة فقط من صلاة وصيام وتهجد فينقطون عن الدنيا والسعي عن كسب العيش ؛ والهجر عن الزواج ويلبسون الخشن ويكتفون باللقمة واللقمتين والجوع؛ ويفضلون الفقر ويكرهون الاختلاط وينعزلون عن الناس فينزوون في المساجد باكين عاكفين زاهدين عن الحياة يتبتلون للعبادة فقط فهذا مخالف ما امر الله بنا ؛ فتتشوه فطرتهم وتنطمس بصيرتهم فيخبل عقولهم فلعلهم وقعوا فيما حرم الله فهذا هو نتيجة الجهل عن الدين فتصبح العوبة في غواية الشيطان ؛ فالجهل أغوى الشيطان نفسه واضله وافسد دنياه وآخرته فهو من جانبه سيغوي به الإنسان بنفس المرض فلذلك فهو يتمتع بعقل شرير قد عَرف الداء واختبره بنفسه وذاق مرارته واكتوي بناره فيحارب علي الانسان بنفس الداء كي يشارك معه في دخول النار؛ (ولقد اضل منكم جبلا كثيرا افلم تكونوا تعقلون)

(إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ)

حين ترتفع السنة نار الشهوة وتتوهج سعارها وتقوي دوافع الهوي وتثور نزوات الغريزة وحضر الشيطان من هنا يبدأ الصراع بينهما ؛ وكل واحد يشهر سلاحه فأيهما كان سلاحه اقوي من الآخر كانت له الغلبة والنصر ومع ان الله اخبرنا ان كيد الشيطان ضعيف ؛ ولكن اذا كان الانسان ايمانه وخشيته وخوفه من ربه ضعيف صاراضعف من الشيطان وكانت الغلبة والسلطة للشيطان ؛ ومن هنا تشعر ان الانسان في امس الحاجة  إلى خشية الله والخوف منه في دفع هذا العدو بسلاح قوي فتاك اقوي من سلاحه ؛ اما اذا كان اعزل من سلاح الخشية والتقوي فهي فرصة ناجحة للشيطان يتسلل الي قلبه ثم الي جميع جوارحه فيزين له المنكرات والشبهات ؛ حتي يصبح الانسان جند من جنوده وأصبح العدو هو المتصرِّف والمسيطرعليه وأصبح المرء يأتمر بامر عدوه بالسمع والطاعة ؛ فينزع عنه الشيطان الارادة والحرية فلا يفعل ولا يقول الا بما اَذنَ له الشيطان فلا يعصيه ؛ (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)

 وصراع الشيطان مع الانسان مستمر باستمرار الحياة لا تتوقف فالانسان القوي دائما يكافح ويناضل لا يخضع للشيطان مهما حاول الشيطان اغراءه واغواءه ؛ ولكن تارة تكون السيطرة الكاملة للشيطان على العبد العاصي المخالف لامرالله وتارة اخري يكون النصر بيد العبد المطيع لربه فهي حرب سجال بينهما ؛ فإن المؤمن سيظل دائما فى صراع مع الشيطان فى داخل نفسه وخارجها لا يضع سلاحه في اي وقت فهو دائما في اهبة وحذر ؛ وهذا الصراع قد ينجم عنه بعض الزلات والاخطاء والانزلاقات والهفوات والمخالفات والتقصير والتفريط ومعاص لانه بشرغيرمعصوم ؛ وحين يقترف الانسان المنكر والذنوب تستيقظ  مشاعرعبوديته لله من غفلتها وتنشط من عقالها فيعض على أكف الندم ويقوده ذلك الندامة والحسرة الي ان يخجل من خالقه ؛ فيهرول إلى محراب باب الله رغبا ورهبا وتضرعا وخشوعا وخضوعا وينطرح بين يديه رافعا اكفه فهو يعلم انه ربا غفورا رحيما ؛ يعلن الاسراع الي الاعمال الصالحة كي يمحوا السيئة قبل ان يتراكم قلبه الران ويتطهر من ادران المعاصي وعندئذٍ يسارع بالاستغفار والتوبة والانابة لله فوقتئذٍ يخيب الشيطان ويفشل ؛ فالانسان يعيش في تقلبات فتارة يزداد ايمانه وتارة ينقص حتي يلقي ربه ولكن لا يستسلم يولي دبره لعدوه اللدود ولا يطيع امره ؛ حتي يخرج من هذا الصراع الشاق منتصراً على هواه وغرائزه واغواء الشيطان ونزغاته وحينئذ يكون عبدا لله وليس عبدا للشيطان ولا  لهواه وشهواته ونزواته ؛ً ﴿إِنّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىَ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىَ رَبّهِمْ يَتَوَكّلُون إِنّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىَ الّذِينَ يَتَوَلّوْنَهُ وَالّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ ﴿إِنّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاّ مَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِين)

﴿إِنّ الّذِينَ اتّقَواْ إِذَا مَسّهُمْ طَائِفٌ مّنَ الشّيْطَانِ تَذَكّرُواْ فَإِذَا هُم مّبْصِرُونَ

ان عداوة الشيطان للانسان ليست عداوة حقد وحسد وكبر فقط انما هي عداوة افساد العقيدة وتدنيسها واقلاع الايمان في القلوب والاشراك بالله ؛ والالحاد وان يعبد الانسان الشيطان واشعال نار الفتنة وايقاد جذوة الحروب ونشر الفساد والرذيلة والخلاعة والفحشاء وشرب الخمر واللواط ؛ فاعلم ايها الانسان أن جميع الشرور والفساد في العالم من قتل ودمار وراءه الشيطان فهو السبب يخوض معركة شعواء مع الانسان في كل ميدان الحياة ؛ فيعوق له طريق الخير ويحبب له طريق الشر ويزجه الي طريق الشقاء والطغيان والظلم والجور والاستبداد ؛ فالشيطان يفتح للانسان أبواب خير كثيرة فيقصد من هذا ان يتوصل فقط إلى باب واحد من ابواب الشر ليضله أو يفوته خيراً أعظم من تلك الخيور الذي عرض له فهي خدعة وحيلة مفروشة بالورود ؛ وكل هذا العمل الشاق الذي يقوم به الشيطان فهو من اجل ان يجد مدخلا ومنفذا ليصل الي اعماق القلب فيقطع كل السبل ؛ لانه يعلم ان القلب هو محور الاعظم لقيادة الانسان ومركز العقل والاحساس الدقيق فاذا سيطر الشيطان القلب عمي العقل ؛ فالشيطان لا يقدر أن يصل إلـى القلب بسهولة لإن القلب حصنه قوي محكم بسياج الإيمان ولكن هذا العدو يحوم حول القلب حتي إذا غفل صاحبه تسلل بخفاء ؛ وما ان وصل الي عرش القلب هانت له طريق الإغواء والافساد والإضلال والوسوسة والقاء الشكوك ؛ وحين يتمكن ان يمسك زمام القلب اغرقه بالشهوات والشبهات والفتن ولا يترك شرا الا زين له ولا يترك خيرا الا صد عنه ؛ وحال بينه وبين طاعة ربه فيقسوا القلب فصار لا يعرف الا المنكر والمكر والعصيان فصار القلب شريكاً معه في اللعن الذي حاق به الشيطان من ربه حين عصي واستكبر امر ربه ؛  

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)

 (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون)       

Leave a comment